المقالات الصحفية المتنوعة التي قمتُ بنشرها في الصحف العربية المختلفة
المقالة الصحفية الأولى
http://www.alrai.com/article/277354.html
تاريخ النشر في صحيفة الرأي الأردنية: الجمعة 16/5/2008
عنوان المقالة:
السِمات الشخصية للقيادي الأكاديمي الجامعي
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد:
تلعب السمات الشخصية المهمة للقيادي الأكاديمي الجامعي دوراً كبيراً في نجاح مهمته، ومن بين أهم هذه الصفات أن يتمتع بشخصية قيادية وإدارية وعلمية قوية يكون فيها قائداً حقيقياً ، وليس تابعاً للآخرين. يسيرونه حسب أهوائهم إداريا، ويوجهونه لكل صغيرة وكبيرة علمياً، نتيجة لضعفه الأكاديمي أو تخبّطِه الإداري صحيح أن التشاور مع الزملاء او المسؤولين أو الرجوع إليهم من وقت لآخر في كثير من الأمور الإدارية أو العلمية أمر ضروري ، لكن ينبغي أن يكون له رأيه العلمي وقراره الإداري الخاص به الذي يؤثر في الآخرين مثلما يتأثر بهم ، ويحاول أن يقنعهم بالحجة والدليل والبرهان والمنطق مثلما يقنعونه هم ، وأن تكون له شخصيته المستقلة في كثير من المواقف التي تبرزه كقائد متميز . وفي هذا الصدد، فإنه ينبغي على القيادي الأكاديمي الجامعي أن يكون شجاعاً في تحمل مسؤولية إصدار بعض القرارات التي تتطلب جرأة في اتخاذها ، وحزماً في تنفيذها أو تطبيقها من أجل إنهاء مشكلة من المشكلات ، أو لوقف التصاعد في الخلافات أو الانقسامات في آراء أعضاء هيئة التدريس أو الإداريين، أو من أجل السرعة في إنجاز المهمات من اجل خير الصالح العام .
وهنا فان على القيادي الأكاديمي الجامعي أن يكون صادقاً في الدفاع عن وجهات نظره وقراراته السليمة، في الوقت الذي يكون فيه صادقاً كذلك في اعترافه بالأخطاء التي وقع أو يقع فيها، مع ضرورة التراجع عنها أحياناً إذا لزم الأمر، بحيث يكون شعاره في مثل هذه المواقف (الاعتراف بالحق خير من التمادي في الباطل ) و(الاعتراف بالحق فضيلة ) و( أن الإنسان يتعلم كل يوم مهما كانت خبرته طويلة ) و( أن من ادعى بأنه قد علم فقد جهل).
ومن السمات الشخصية المهمة الأخرى للقيادي الأكاديمي الجامعي أَن يكون نموذجاً يحتذى به من حيث السلوك والتعامل مع الآخرين ولا سيما من حيث الالتزام الدقيق بالدوام الرسمي اليومي ، كي يكون أول من يصل إلى صباحاً، وآخر من يتركه بعد انتهاء الدوام في معظم الأوقات ، لما لذلك من آثار إيجابية على إنتاجية الوحدة الأكاديمية المسؤول عنها من جهة ، واقتداء زملائه به من أعضاء هيئة التدريس والإداريين في هذا الصدد من جهة ثانية.
كما ينبغي أن يتصف ذلك القيادي بالمرونة دون ضعف، وعدم التشبث أو التزمت بالرأي أو القرار، مع إمكانية العمل أحياناً بروح القوانين والتعليمات والأنظمة إذا كانت المواقف والمصالح العامة تتطلب ذلك. كما ينبغي أن يتسم بصفات أخرى مثل الحزم دون عنف، وخفة الظل دون تهريج، وتقدير الأمور دون هدرها، ومراعاة الظروف دون ضياع الصالح العام، وتوجيه التابعين له دون الاستهتار بأشكالهم أو ملابسهم أو ألوانهم أو معتقداتهم، أو الاستخفاف بقدراتهم أو تخصصاتهم أو آرائهم أو أفعالهم، والثقة بالنفس دون الغرور أو الترفع عن الآخرين، والتمتع بعلاقات متميزة مع القياديين الآخرين في الجامعة التي ينتمي إليها والجامعات الأخرى، وذلك للحاجة الماسة لهم للعمل كفريق من وقت إلى آخر، ولحل بعض القضايا التي قد تظهر أحياناً بين وحدته الأكاديمية والوحدات ذات العلاقة.
وتبقى العدالة والمساواة والموضوعية من الخصائص الأساسية المطلوبة من القيادي الأكاديمي الجامعي ، وذلك عند التعامل مع أعضاء هيئة التدريس والإداريين والفنيين، أو عند توزيع المهام المختلفة عليهم، أو عند الترشيح للمؤتمرات أو الندوات العلمية، أو عند التقدم للترقيات الأكاديمية أو الإدارية، على أن يكون المعيار الأول هو العمل الجاد والمخلص والمصلحة العامة الثابتة، دون اعتبار للمصالح الذاتية الضيقة الزائلة على حساب الجامعة والجماعة.
وتؤدي المبادأة دوراً مهماً في نجاح القيادي الأكاديمي الجامعي ، لأنها تدل على تمتعه بنسبة عالية من الذكاء ، ومحاولته تحسين نوعية العمل وتجويده، ورغبته في التخلص من المشكلات أو الأزمات القائمة ، وأمله في مشاركة اكبر عدد ممكن من أعضاء هيئة التدريس والإداريين في وحدته الأكاديمية معه، وطرحه لمقترحات أو مشروعات بناءة تؤدي إلى سير أفضل للأمور ونجاح أكثر في العمل. كما ان قدرة القيادي الجامعي على القيام بأعباء إدارية إضافية تمثل خاصية للقيادي.
وتعتبر صفة الصبر أو التحمل من الصفات المهمة التي ينبغي أَن يتسم بها القيادي الأكاديمي الجامعي، ولاسيما عند تعامله مع أعضاء هيئة التدريس حديثي الخبرة، الذين يطرحون أحياناً وبحكم خبرتهم الجامعية القليلة أفكاراً فجة أو أحكاماً ساذجة تثير الاستغراب، وبخاصة عندما يصرون على التمسك بها ويتطلب إقناعهم بالصواب وقتاً طويلاً وصعباً يكون في الغالب على حساب وقت العمل المفيد.
أما إنكار الذات فهو من الخصائص المهمة الواجب مراعاتها من جانب القيادي الأكاديمي الجامعي الذي يعرف أَن موقعه الإداري يتطلب منه الابتعاد عن تحقيق المصالح الشخصية على حساب مصالح زملائه أو على حساب الصالح العام، وأَن يدرك تماماً بان مراعاة مصالح الآخرين ومصلحة الطلبة الجامعة، يعود عليه بالمصلحة الذاتية أيضاً كقائد أكاديمي ناجح وإداري ينكر الذات في أقواله وأفعاله.
وللوضوح مع الآخرين والصراحة والتواصل الشفوي معهم وعدم مقاطعتهم أو محاولة استبعادهم عن اللجان الجامعية المهمة التي تعمل على تطوير الجامعة أو مناقشة قضاياها المهمة، دور مهم في نجاح شخصية القيادي الأكاديمي الجامعي ، لان مثل ذلك يعزز الثقة بينه وبين زملائه، ويبعد أوهام الشكوك أو الظنون أو التفسيرات أو التأويلات للأمور والقضايا التي يسألون عنها من حين لآخر طالبين فكرة واضحة عنها.
وتظهر أهمية هذه الصفة جيدا عند اختلاف وجهات النظر الشفويّة، حيث ينبغي عدم قمع الآخرين عند طرح آرائهم وأفكارهم التي قد تخالف رأيه أو قناعاته أو مخططاته، أو عند الاختلاف فيما جاء في الردود على بعض المعاملات الرسمية ذات العلاقة بأحد أعضاء هيئة التدريس أو مجموعة منهم أو حول موضوع من الموضوعات، مما يجعل من الوضوح الطريق الأسلم لراحة النفس قبل راحة الجسد، مما ينعكس إيجاباً على الأداء الأكاديمي والوظيفي والاجتماعي لعضو هيئة التدريس أو للإداري أو الفني الجامعي.
ولا ننسى أن تقدير جهود الآخرين والإشادة بالأعمال المتميزة لهم والثقة بهم ، تمثل جميعاً صفات مفترضة في القيادي الأكاديمي الجامعي الناجح، وذلك لما لها من وقع السحر على أصحابها وعلى زيادة أواصر المودة والمحبة من جهة ورفع مستوى الإنتاجية والأداء للمهام المختلفة من جهة ثانية . وفوق ذلك كله ، فان دماثة الخلق والتسامح واللطف وضبط النفس تعتبر من الخصائص السلوكية المرغوب فيها للقيادي الأكاديمي الجامعي حتى يحقق الأهداف المنشودة أو المرغوب فيها.
ومن السمات المهمة الأخرى للقيادي الأكاديمي الجامعي تحييد الصداقات وصلة القرابة تماماً عن التأثير على سير العملية الأكاديمية أو الإدارية، أو على إصدار القرارات المهمة. فالصداقة والقرابة شيء والمصلحة الأكاديمية العليا للجامعة شيء آخر، حيث ينبغي عدم تأثير ذلك مطلقاً على مسار الأمور الأكاديمية والإدارية حتى لا ينحاز ذلك القيادي في ميوله ورغباته نحو هذا الصديق أو ذاك القريب.
ولا تخلو الأمور أحياناً من وجود صديق حميم أو أكثر للقيادي الأكاديمي الجامعي أو وجود شخص له قرابة من الدرجة الأولى مما يمثّل اختباراً حقيقيا لموضوعية القيادي الأكاديمي ويحتّم عليه إبعاد هذه المؤثرات عنه ووقف أي صديق أو قريب عند حدّه ممن يحاول استغلال منصب القيادي الجامعي لمصلحته الخاصة أو ضد مصالح الآخرين، والعمل على منع تدخّله في الأمور كافة ولاسيما الحساسة منها، مثل الحصول على درجات أو علامات لا يستحقّها بالضغوط على المدرسين الآخرين إذا كان القريب طالباً، أو محاولة التأثير على مجرى التشكيلات الإدارية أو الأكاديمية، أو الانحياز إلى طرف في الجامعة ضد آخر، أو السماح للآخرين بالتقرّب منه أو التزلّف إليه لتوصيل مطالبهم إلى القيادي الأكاديمي الجامعي، ولاسيما إذا كان ذلك القريب هو عضو هيئة تدريس أو كان موظّفاً إدارياً في الجامعة، مما سيؤدي إلى الإساءة البالغة للقريب وللقيادي الأكاديمي وللجامعة في وقتٍ واحد.
المقالة الصحفية الثانية
http://alrai.com/article/250283
تاريخ النشر في صحيفة الرأي الأردنية: الأحد 9 – 12 – 2007
عنوان المقالة:
تطوير أداء أعضاء هيئة التدريس
فـي الجامعات و المعاهد العليا
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد:
مقدمة :
يبقى الإنسان يتعلم مهما بلغ من العلم والمعرفة ، حيث لا يعني حصوله على درجة العالمية أو الدكتوراة نهاية المطاف، بل هي بداية مرحلة جديدة ينبغي أن تتسم بالحيوية والنشاط والعمق وسعة الافق في مجالات التدريس والبحث والتنقيب والتطبيق للنظريات والآراء والافكار والحقائق والمفاهيم والتعميمات التي درسها على حد سواء. ولا يستطيع أي عضو هيئة تدريس الاعتماد فقط على ما اكتسبه من معارف ومهارات واتجاهات متنوعة خلال مراحل التعليم التي اجتازها، لا سيما ونحن نعيش في عصر يتسم بمضاعفة المعرفة في فترات زمنية قصيرة، وفي تغيير النظريات والمعارف واكتشاف المزيد منها يوميا، بل يجب عليه الاطلاع على الجديد والجيد في مجال تخصصه الدقيق والتخصصات القريبة ذات العلاقة، حتى ينمو النمو المهني المرغوب فيه وبما يعود عليه وعلى طلابه بالفائدة المرجوة.
ويلعب عاملي النضج والخبرة دوراً مهماً في ضرورة متابعة عضو هيئة التدريس للمكتشفات والابحاث العلمية في ميدانه، لاسيما تقدمه في السن تدريجيا بعد التخرج، ومروره بالخبرات التدريسية في مرحلة التعليم العالي، تجعله يصل الى قناعة تامة بأن التعليم في الجامعة أو المعهد العالي يتطلب المزيد من القراءة السابرة، والاطلاع المستمر، والبحث المتعمق، حتى يثبت وجوده من جهة، وحتى يلبي مطالب المتعلمين واستفساراتهم العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية والتربوية والميدانية المتنوعة، ومطالب إدارة الجامعة أو المعهد والالتزامات نحوها في العمل الجاد والدقيق والعميق والمسؤول من جهة ثانية.
وبمجرد تعرف عضو هيئة التدريس الجامعي على زملائه في الاقسام الأكاديمية المختلفة واختلاطه بهم من كافة الرتب العلمية والخبرات الادارية أو التدريسية أو البحثية المتنوعة، فانه يكتشف وجود عدد من جوانب القوة لديه، مما ينبغي عليه الاحتفاظ بها والعمل على دعمها، ولكنه في الوقت نفسه يكتشف أنه يعاني من العديد من مواطن الضعف عليه التخلص منها أو التخفيف من حدتها على الأقل. وهنا تأتي المبادرة الذاتية في النمو المهني من جانب عضو هيئة التدريس عن طريق القراءة المتواصلة، والاطلاع المستمر، على ما ينشر في الكتب الجديدة والمقالات الحديثة في المجلات التخصصية الجامعية والمهنية المحكمة، والإسهام في المناقشات العلمية المستفيضة في القضايا الجامعية المتعددة، والاشتراك فيما يسمى بالتدريس التعاوني Cooperative Teaching ، وتدريس الرفاق أو الاقران Peer Teaching والندوات العلمية التخصصية Seminars، وإجراء الأبحاث حول القضايا الاكاديمية ذات العلاقة بمجال تخصصه، وإلقاء المحاضرات العامة في الجامعات أو مؤسسات المجتمع المحلي، وإدارة الحوار حول موضوع أكاديمي معين، وحضور اللقاءات أو المؤتمرات العلمية التي تطرح فيها الآراء والافكار ووجهات النظر المختلفة والتعليقات والتعقيبات المفيدة. ويمثل تطوير أداء أعضاء هيئة التدريس ركنا أساسيا بالغ الأهمية من أركان تطوير الجامعات، حيث لا تنفع الخطط والبرامج الدراسية والاكاديمية الدقيقة التي يضعها المتخصصون في ضوء معايير علمية محكمة، إذا ما تم تسليمها الى عضو هيئة تدريس لايعمل على تنمية نفسه مهنيا، ولا يشترك في المناشط البحثية واللقاءات التخصصية والندوات العلمية التي تصقل خبرته، وتعمق معرفته، وتوسع مداركه، وتنمي أفكاره، وتقوي من شخصيته العلمية والقيادية والاجتماعية.
وسائل التطوير:
تتمثل أهم وسائل التطوير الحقيقي لأداء اعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد العليا المحلية، مهما اختلفت رتبهم الاكاديمية أو تنوعت خبراتهم العلمية أو الادارية في الآتي:-
(1) إقامة الندوات العلمية الشهرية Seminars :- حيث لابد من تشكيل لجنة للندوات العلمية في الجامعة أو المعهد العالي مؤلفة من عدد من اعضاء هيئة التدريس ذوي الخبرات الاكاديمية والتنظيمية الطويلة والسمعة العلمية المرموقة، من اجل اقامة ندوة علمية واحدة على الاقل شهريا تتناول قضية أكاديمية أو اجتماعية أو ثقافية أو علمية تهم قطاعا عريضا من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، ويتم الإعلان عنها بالوسائل المناسبة، تمهيدا لحضورها من جانب الجميع أو من جانب معظمهم, على أن تكون هذه الندوات متنوعة في موضوعاتها، ومتفاوتة في طروحاتها، وعامة في فوائدها وتأثيراتها. وهنا يتم تشجيع الكليات المتعددة والأقسام الأكاديمية الكثيرة، على تشكيل لجان للندوات العلمية التخصصية الدقيقة لطرح الموضوعات العميقة التي تهم تلك الاقسام والكليات ولاتتعارض مع مهام لجنة الندوات العامة في الجامعة، بل يتم فرز الموضوعات التي يرغب أعضاء هيئة التدريس بالقائها ضمن أنشطة الندوات العلمية الى موضوعات كثيرة ذات طابع تخصصي دقيق يتم طرحها في الاقسام ذاتها، وموضوعات عامة قليلة يتم تحويلها الى اللجنة العامة للندوات في الجامعة أو المعهد العالي دون أي تعارض بينها، بل وتتم ضمن نوع من التعاون الوثيق والتكامل الدقيق بين مجالات المعرفة الجامعية المتنوعة، مما يؤدي بالتالي الى شعور الجميع بوجود حركة علمية دائمة تتعدى مجرد تدريس الطلبة (وهي النظرة الضيقة للتعليم العالي) إلى العمل الدؤوب والمتواصل لتطوير أداء اعضاء هيئة التدريس بشكل مستمر، لأنه هو النمو الحقيقي والمتجدد لهم ولطلبتهم ولسمعة الجامعة التي ينتمون إليها والوطن الذي يحتضن الجميع في نهاية المطاف .
(2) إقامة المشاغل أو الورش العلمية Scientific Workshops :- والتي ينبغي أن تتم سنويا وبمعدل ورشة علمية واحدة في الفصل الدراسي الواحد،في كل كلية من كليات الجامعة، بحيث تدور حول قضية علمية مهمة يشترك فيها عدد من اعضاء هيئة التدريس في الكلية المعنية وغيرها من الكليات ذات العلاقة في الجامعات المحلية، على أن تعقبها مناقشات ثرية ومتعمقة، يتم فيها طرح الافكار وتبادل وجهات النظر التي يمكن أن تدوم لفترة يوم او يومين او ثلاثة، على أن يتم تسجيل هذه الفعالية العلمية تمهيدا لطباعتها ونشرها في كتيبات تحوي الاوراق التي تم طرحها والمناقشات التي أعقبتها، حتى يستفيد منها الباحثون والمهتمون من اعضاء هيئة التدريس وابناء المجتمع المحلي. وتستطيع إدارة الجامعة تبادل هذه المطبوعات مع الجامعات الاخرى وتوزيع نسخ منها على الزوار الذين يرغبون في الاطلاع على المناشط الأكاديمية والعلمية للجامعة أو المعهد، ويجدون في مثل هذه الكتيبات البلسم الشافي الذي يعطي الصورة الحية عما يدور من فعاليات علمية رصينة .
(3) إقامة الأسابيع العلمية للكليات College Scientific Weeks :- بحيث يتم اختيار احد اسابيع السنة الجامعية التي يتم فيها تجنب الانشطة الاخرى التي قد تحدث باستمرار في الكلية ذاتها او في كليات الجامعة المخلتفة، بحيث يكون هناك الاسبوع العلمي لكلية الاداب وآخر لكلية الشريعة وثالث لكلية العلوم ورابع لكلية الهندسة وخامس لكلية الطب وسادس لكلية الصيدلة وسابع لكلية الاقتصاد وثامن لكلية الفنون وتاسع لكلية الزراعة وعاشر لكلية التربية وحادي عشر لكلية القانون وهكذا. ويمكن التنسيق بين الكليات المختلفة للجامعة الواحدة لتوزيع هذه الاسابيع بشكل تكاملي وتعاوني، حتى لو لم تسمح الظروف لاحدى الكليات الاخرى او لعدد منها اقامة مثل هذه الاسابيع في سنة من السنين، فان الكليات الاخرى تغطى هذا النقص، وتظهر في الجامعة أنشطة علمية مختلفة تاخذ اسابيعا بطولها تتحول فيها الكليات الى خلايا نحل من الحيوية والفاعلية والنشاط. ويتم في هذه الاسابيع العلميةعادة القاء المحاضرات، وعمل الندوات، وإجراء المناظرات، وإقامة المعارض العلمية والفنية والتخصصية والتكنولوجية المتنوعة. وتدعى إلى فعاليات هذه الاسابيع العلمية في العادة شخصيات من المجتمع المحلي من اجل الاطلاع على مناشط الكليات المختلفة بل وقد تلقي بعض هذه الشخصيات كلمات عامة او محاضرات تخصصية، كما ويزور هذه المعارض والانشطة اولياء الامور وطلبة المدارس الثانوية، مما يترك الاثر الطيب لدى الناس على ما يقوم به الابناء من أدوار علمية بناءة في الجامعة أو المعهد العالي، كما يأخذ طلبة المدارس فكرة أولية عن جو التعليم العالي المفعم بالإبداع والحيوية والعمل الدائم.
(4) عقد المؤتمرات العلمية Scientific Conferences :- ويكون ذلك بمعدل مؤتمر واحد على الاقل كل سنتين لكل كلية من كليات الجامعة المختلفة، بحيث تدور هذه المؤتمرات حول موضوع اكاديمي او قضية علمية تهم الباحثين والمتخصصين والمجتمع، ويدعى إليها الباحثون من الجامعات المحلية والعربية والدولية. ومن المعروف أن الفوائد كثيرة من وراء عقد المؤتمرات العلمية يتمثل أهمها في رفع مستوى أداء أعضاء هيئة التدريس نتيجة اختلاطهم بزملائهم في التخصص من الجامعات الأخرى، وتفاعلهم معهم بحضور انشطة الجلسات المتعددة وما يدور فيها من مناقشات، وما يطرح خلالها من وجهات نظر، وما يتم من تبادل للآراء وعرض للتعليقات والتعقيبات والإضافات، واطلاع على الابحاث الملقاة في المؤتمر، وفتح جسور التعارف بين المتخصصين في فروع المعرفة المختلفة من الجامعات القريبة والبعيدة، وما يعقب انتهاء هذه التظاهرات العلمية من جمع للبحوث واصدارها في مجلدات خاصة يعود اليها الباحثون والمهتمون بموضوعات تلك المؤتمرات العلمية من وقت لأخر.
(5) تبادل الزيارات العلمية Exchanging Scientific Visits :- ولاسيما من جانب اساتذة مرموقين من الجامعات الاخرى عن طريق تشجيعهم على القدوم الى الجامعات المحلية للاطلاع على خططها الاكاديمية وكلياتها واقسامها المتنوعة ومراكزها ومعاملها ودوائرها الكثيرة، والالتقاء بالهيئة التدريسية ذات العلاقة، ومناقشة القضايا والموضوعات مجال الاهتمام، وإلقاء المحاضرات، وعقد الندوات القصيرة، وتقديم الاقتراحات والتوصيات في ضوء الملاحظات والمشاهدات من جانب الاساتذة الزوار. كما ينبغي قيام اعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد المحلية بزيارة الاقسام والكليات المماثلة في الجامعات والمعاهد العربية والأجنبية الأخرى لاكتساب المزيد من المعارف والمهارات والاتجاهات المرغوب فيها نتيجة الاطلاع على ما تقدمه تلك الجامعات من برامج وخطط، وما تقوم به من مناشط. فبناء جسور من العلاقات القوية بين الجامعات لايتم اصلا بصورة سليمة دون تبادل الزيارات العلمية، التي تعطي الفكرة الطيبة عن الجامعة للزوار من ناحية ،وتفيد أعضاء هيئة التدريس الذين يزورون جامعات اخرى في الاطلاع على منجزاتها والاحتكاك بزملاء التخصص الواحد فيها وتبادل الخبرات العلمية معهم من ناحية ثانية .
(6) تقديم الاستشارات المختلفة Consultation Services :- حيث من الضروري تشجيع اعضاء هيئة التدريس في الجامعات المحلية والمعاهد العليا على تقديم الخدمات والاستشارات المختلفة كل في مجال تخصصه للوزارات والمعاهد العليا والمؤسسات الحكومية والخاصة التابعة للمجتمع المحلي كالآتي :-
- القاء المحاضرات في المناسبات المختلفة: مثل إلقاء المحاضرات من جانب اساتذة كلية الشريعة في المناسبات الدينية , واساتذة التربية عند افتتاح المدارس وقبيل الامتحانات النهائية وفي يوم المعلم، وأساتذة العلوم السياسية والاجتماعية في المناسبات الوطنية والقومية، وأساتذة الطب عند تفشي بعض الأمراض، وأساتذة الزراعة لطرح افكار جديدة او علاج امراض زراعية منتشرة، وأساتذة القانون للتوعية في القضايا القانونية ذات العلاقة بموضوع طارئ يهم افراد المجتمع، وأساتذة اللغة لتصويب الاخطاء الشائعة في اللغة العربية او الاجنبية … وهكذا.
- المساهمة في بناء او تطوير برامج او مشاريع او خطط محلية متنوعة، مثل الاشتراك في تخطيط مناهج مدرسية جديدة، أو تعديل الموجود منها على يد اساتذة التربية، والإسهام في تطوير برامج صحية معينة من جانب اساتذة الطب، والاشتراك في التخطيط لمشروع زراعي جديد من جانب اساتذة الزراعة، والإسهام في وضع اسس بناء مصنع كبير من جانب اساتذة الهندسة والاقتصاد،والاشتراك في تصميم اللوحات أو التماثيل أو النصب التذكارية الوطنية من جانب اساتذة الفن والهندسة المعمارية والتربية الوطنية، والإسهام في برامج محو الامية اوبرامج تطوير المرشدين النفسيين من جانب اساتذة التربية وعلم النفس واللغة العربية .
ج- الكتابة في الصحف المحلية عن مختلف القضايا والموضوعات ذات الاهتمام الجماهيري الواسع، وذلك من جانب المتخصصين في ميادين المعرفة المتنوعة في الكليات والأقسام الأكاديمية العديدة، حيث ينظر إلى الجامعات كمراكز إشعاع تزود المجتمع بما يحتاجه من خبرات علمية مفيدة في حل مشكلاته والتخطيط لطموحاته وآماله المستقبلية.
د- عقد الندوات او اللقاءات الاذاعية او الصحفية او التلفزيونية، أو المشاركة فيها، والتي تدور حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو الدينية أو العلمية ذات العلاقة بتخصصه الدقيق، وبما يعود بالفائدة على المجتمع المحلي.
(7) اجراء البحوث والدراسات المختلفة Conducting Research Studies :- حيث ينبغي على ادارة الجامعات والمعاهد العليا المحلية تشجيع اعضاء هيئة التدريس فيها على اجراء البحوث النظرية أو الميدانية أو العلمية أو المخبرية كل حسب تخصصه، وذلك عن طريق دعمهم ماديا من ميزانية البحث العلمي من جهة و تسهيل مهمة الباحثين لديهم عن طريق تزويدهم بالخطابات الرسمية الموجهة الى مؤسسات مختلفة إذا تطلب البحث تطبيقات ميدانية تربوية او صحية او بيئية او زراعية او صناعية او اجتماعية او أثرية من جهة ثانية . فاجراء البحوث من جانب عضو هيئة التدريس يحتم عليه الاطلاع بعمق على الدراسات السابقة وعلى الادب العلمي وثيق الصلة ببحثه في المراجع والدوريات العلمية العربية والأجنبية وفي شبكة الانترنت، مما يؤدي الى تنمية نفسه بما يعود عليه وعلى طلابه بالفائدة العلمية المرجوة. وفي الوقت الذي يتم فيه تشجيع الجامعة للنشيط من أعضاء هيئة التدريس على اجراء البحوث عن طريق دعمه ماديا وترقيته في الرتب الاكاديمية العلياعندما يحقق الشروط اللازمة لذلك، فان على الجامعة أيضا مساءلة من لا يكلف نفسه منهم بكتابة الأبحاث لفترة من الزمن تقارب الثلاث سنوات على الاكثر عن السبب في هذا الانقطاع، حيث لماذا لم يقدم الجديد من البحوث في مجال تخصصه، لأنه لابد من استخدام اسلوب الترغيب مرات عديدة واسلوب التذكير بالقصور مرة واحدة، لتشجيع أعضاء هيئة التدريس على اجراء البحوث في مجال التخصص ونشرها في المجلات الجامعية والمهنية المحكمة، حتى لا يتحول الاستاذ الجامعي الى مجرد مدرس للمقررات المختلفة فقط بعيدا عن البحث والتنقيب والتمحيص، مما يفقده السمة الحقيقية للأستاذ الجامعي التي من المفروض ان ينتمي إليها، والتي تعني العمق في التفكير ونشره للأوراق العلمية المتعددة، كي يستفيد منها الباحثون والمتخصصون والمهتمون في آن واحد .
(8) استخدام التقييم الاكاديمي السنوي Yearly Academic Evaluation :- حيث ينبغي على ادارة الجامعات والمعاهد العليا المحلية استخدام أداة تقييم أكاديمي لأعضاء هيئة التدريس كما تفعل الكثير من الجامعات والمعاهد العليا العريقة في الدول المتقدمة، وذلك عن طريق توجيه العديد من الاسئلة المكتوبة للطلبة لاخذ رأيهم في طريقة تدريس الاستاذ الجامعي وتعامله معهم واجراءات التقويم التي يستخدمها في المقررات، جنبا إلى جنب مع مناشط اخرى يقوم بها، وتكون أدارة الجامعة أو المعهد على علم بها مثل نشر البحوث والكتب، والاشتراك في اللجان داخل الجامعة وخارجها، والقيام بخدمة المجتمع المحلي، والمشاركة في المؤتمرات العلمية المحلية والدولية. فمثل هذا التقييم السنوي يخلق نوعا من التنافس الشريف بين الزملاء في المناشط المختلفة، ويجعل الكثيرين في حيوية مستمرة طيلة العام الدراسي.
(9)طرح برامج الدراسات العليا Graduate Studies Programs :- فمن المعروف أن فتح برامج للدراسات العليا في أي جامعة أو معهد عال، يتطلب رتباً أكاديمية عليا للإشراف عليها، والاطلاع الواسع على البحوث والدراسات والمؤلفات ذات العلاقة بهذه البرامج، والتعامل مع طلبة اقل عددا، وأكثر خبرة، وأعمق فكرا، وأوسع اطلاعا، واقدر على تحمل المسؤولية من طلبة الدراسات الدنيا لانهم يمثلون الصفوة أصلا. كل هذا يجعل عضو هيئة التدريس الذي يتحمل عبء تعليمهم او الاشراف على اطروحاتهم العديدة في وضع يحتم عليه تطوير نفسه بمراجعة أمهات الكتب والمقالات والبحوث العلمية الحديثة التي تنشرها الدوريات المحكمة. كما أن الإشراف على كتابة الاطروحة يتطلب الدقة المتناهية في صياغة مشكلة البحث وأسئلته وفرضياته، ومراجعة الأدبيات ذات العلاقة، والقيام بتطوير أدوات الدراسة وتطبيقها، وجمع البيانات والمعلومات وتبويبها وتحليلها ومناقشتها واقتراح التوصيات المناسبة في معظم الرسائل الجامعية، وما قد يتطلب أحيانا من استخدام الوسائل التعليمية الكثيرة كالجداول والخرائط والرسوم الملونة والاشكال والوثائق والمستندات، مما يزيد من مسؤولية عضو هيئة التدريس .ونظراً لما قد يحصل من مناقشات لمخططات الرسائل العلمية او الدفاع عنها في نهاية المطاف , فان الفائدة العلمية تعم على أعضاء هيئة التدريس لاسيما عند تشكيل اللجان الثلاثية والرباعية او حتى الخماسية، مما يؤدي الى تلقيح الأفكار، وتبادل الآراء والخبرات،حتى في حال اختلاف وجهات النظر . ومن جهة اخرى فان مجرد قيام الجامعات والمعاهد العليا بالسماح لمن هم أعلى رتبة علمية للإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراة وتدريس طلبة الدراسات العليا، يشجع الآخرين على تنمية أنفسهم ،ونشر البحوث، والتقدم للترقية كي ينالوا شرف تدريس طلبة الماجستير والدكتوراه، وهو بحد ذاته يعتبر أسلوب تشجيع للنمو الذاتي المهني لاعضاء هيئة التدريس .
(10) الاستفادة من خدمات شبكة الانترنت Internet Services :- حيث يمكن عن طريق استخدام الانترنت، الوصول إلى مالا نهاية من المعلومات في اقصر وقت ممكن ودون تحمل عناء الرجوع الى الكثير من البحوث والمجلدات والكتب والدوريات والمراجع المتخصصة على رفوف المكتبات. فالانترنت يمثل مصادر معلومات هائلة في جهاز صغير يتم التعامل معه بسهولة، بحيث يستطيع عضو هيئة التدريس ان ينمي نفسه بنفسه بالاطلاع على أحدث ما صدر في مجال تخصصه الدقيق، كما يمكن له عن طريق البريد الالكتروني E-mail مخاطبة زملائه في الجامعات العربية والاجنبية وتبادل المعلومات والافكار والآراء، ومعرفة أخبار المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية. مما سبق يتضح كيف ان تطوير أداء اعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد العليا لا يأتي جزافا، بل عن طريق وسائل أو إجراءات مهمة ترفع من كفايات الاساتذة من التخصصات الاكاديمية كافة، بعضها يمثل وسائل على إدارة الجامعات والمعاهد القيام بها او توفيرها، وبعضها الآخر ذاتي يكون من مهام عضو هيئة التدريس نفسه.
المــــراجع
- Battey, Daniel, et.al.(2007). “Professional development for teacher on gender equity in the sciences: Initiating the conversation” Teachers College Record, 109 (1) 221-243.
- Benninga, J.(2003). ” Moral and ethical issues in teacher education. (ERIC Document Reproduction Service No ED 482699).
- Ben-Peretz, M.(2001). “The impossible role of teacher education in a changing world” . The Journal of Teacher Education, 52(1), 48-56.
- Burch, Patricia Ellen (2006). The new educational privatization: Educational contracting and high stakes accountability”. Teachers College Record, 108 (12) 2582-2611.
- Colbeck, Carol L.(2002). “State policies to improve undergraduate teaching : Administrator and faculty responses”. The Journal of Higher Education, 73, (1) (3-23).
- Drago-Severson, Eleanor (2007). “Helping teachers learn: Principals as professional development leaders” Teachers College Record, 109 (1) 70 -126
- Hatch, Thomas, et.al.(2005) “Expertise, credibility, and Influence: How teachers can influence policy, advance research, and improve performance, Teacher College Record, 107, (5), 1004 -1036
- Hu,Guangwei (2005). “Professional development of secondary EFL teachers: Lessons from China. Teachers College Record, 107(4), 654-706
- Kabasakalian, Rita (2007) “Language and thought in mathematics staff development: A problem probing protocol”. Teachers College Record, 109 (4), 537 – 848.
- Landt Susan M (2005). “Deep Change: “Professional development from the inside out” Teachers College Record, 107 (2), 329 – 343.
- Stodddard , Kim et.al (2007 ). ” Building professional dispositions in preservice special educators: Assessment and instructional tactics” Journal University Teaching and Learning Practice , 4(1), 28-39.
- Thompson Kenneth R. (2004) “A conversation with mark blazey : A driving force in the quality and performance excellence movement”. Journal of Leader and Organizational Studies, 10 (3), 108-118.
- Towler, Annette (2005). “Charismatic leadership development : Role of parental attachment style and parental psychological control”. Journal of Leadership and Organizational Studies, 11 (4), 15-26.
- Vasil, Latika (1996) “Social process skills and career achievement among male and female academics”. The Journal of Higher Education, 67(1), 103-115
- Yendol-Hoppey, Diane (2007). “Mentor teacher’s work with prospective in a newly formed professional development school: Two illustrations. Teachers College Record, 109 (3), 669-699
- Zellermayer, Michal, and Margolin, IIana (2005). “Teacher educators’ professional learning described through the lens of complexity theory”. Teachers College Record, 107,(6) 1275 -1305.
e-mail : jawdatmassa@gmail.com
المقالة الصحفية الثالثة
عنوان المقالة:
همسة في أُذن المعلم قبيل الإمتحانات النهائية
تاريخ النشر في صحيفة الدستور الأردنية: الأحد 13-1-1999م
بقلم : أ.د. جودت احمد سعادة المساعيد
عندما لم يبق من الوقت غير القليل على بداية الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الأول أو الثاني في مراحل التعليم العام الاساسية والثانوية والعليا ، فإن ذلك يجعل المدارس الخاصة والحكومية بالذات على وشك الاستعداد لاستقبال هذا الحدث المهم في حياتها وحياة الطلبة فيها .
وهذا يتطلب من المعلم الفاعل والنشط صياغة فقرات الاسئلة بشكل يتناسب والاهداف التربوية العديدة والمتنوعة التي يسعى هو ومعه المنهج المدرسي الفعال والادارة المدرسية الناجمة لتحقيقها لدى الطلبة في مختلف الصفوف التعليمية.
وهنا لابد من همسة في اُذن ذلك المعلم الذي يرعى فلذات الاكباد بكل امانة وصدق وإخلاص ، طارحاً عليه مجموعة ليست قليلة من الاستفسارات من اجل التذكير فقط ، لانني على يقين بانه قد قرأ ذلك فانني اطرحها من جديد لان الذكرى تنفع المؤمنين : فهل الاسئلة التي ستضعها ايها المعلم الفاضل واضحة في صياغتها ولا لُبس او غموض فيها ؟ وهل تلك الاسئلة تتلاءم حقاً وأعمار الطلبة الموضوعة لهم ؟ وهل الاسئلة متنوعة من حيث السهولة والصعوبة لتراعي ما بين الطلاب من فروق فردية ؟ وهل تثير هذه الاسئلة او بعضها على الاقل التفكير العالي لديهم ؟ وهل لكل سؤال هدف واضح ومحدد يسعى الى تحقيقه ؟ وهل تجنبتَّ ايها المربي الفاضل عند كتابة كل سؤال عدم الايحاء صراحة او تلميحاُ بالاجابة ؟ وهل تمَّ توزيع العلامات على الاسئلة بشكل دقيق ومتناسب مع صعوبة السؤال او سهولتهِ ومع طول السؤال وقصره وما يتطلب ذلك من وقتٍ فعلي للاجابة ؟ وهل يحوي السؤال فكرة واحدة فقط كما ينبغي ام مجموعة من الافكار التي تؤدي غالباً الى التشويش ؟ وهل تمَّ تجنب الصياغة الحرفية الموجودة في الكتاب المدرسي المقرر عند وضع الاسئلة ؟ وهل تمت مراعاة اهتمامات الطلاب المعرفية والوجدانية والمهارية الحركية اضافة الى قدراتهم المتفاوتة عند صياغة الاسئلة ، مما يحتم تنوعها وتعددها بدرجة كافية ؟ وهل عملت الاسئلة على تغطية معظم العناصر الرئيسية لمحتوى المادة الدراسية التي تدور حولها فقرات الاختبار ؟ وهل تمَّ التنويع في نمطية الاسئلة وعددها بحيث تكون مختلفة عن تلك الاسئلة التي وضعتها في السنوات السابقة ؟ وهل تمت مراعاة مبدأ السهولة النسبية في تصحيح الاسئلة . وهل تمَّ ترتيب الاسئلة عند اخراجها بحيث تأتي السهلة منها اولاً ثم المتوسطة في صعوبتها ثانياً ثم الصعبة ثالثاً وأخيراً ، حتى لا يشعر الطالب بالصدمة الشديدة عند قراءاة الاسئلة الصعبة في بداية فترة الاختبار ؟ وهل عدد الاسئلة ونمطها يتناسب مع الوقت المحدد للاختبار ككل ؟ وهل تمَّ تنويع الاسئلة من حيث كونها مقالية وموضوعية لاسيما المتعددة الاختيار حتى يتم بالفعل تحقيق اكبر قدر من مزايا هذه وتلك بدلاً من اقتصارها على نمط بعينة ؟ وهل تمت كتابة الاسئلة بخط واضح ان لم تكن مطبوعة على الآلة الكاتبة او الحاسوب ؟وهل توجد تعليمات او ارشادات خاصة للطلاب من اجل الاجابة السليمة ؟ وهل تمَّ تجنب اسئلة الصواب والخطأ ما امكن لارتفاع نسبية التخمين في اجابتها واعتمادها على الحظ بالدرجة الاساس ؟ وهل تمَّ اعطاء الطلبة الوقت الكافي لاكمال اجابة فقرات الاسئلة ما لم يكن الهدف منه الحصول على الاستجابة السريعة ؟ وهل تتصف فقرات الاسئلة عموماً بالصدق الذي يُقاس بالدرجة التي يحقق فيها الاختبار الهدف او الاهداف التي وضع من اجلها ؟ وهل تتصف فقرات الاسئلة بالثبات ايضاً والتي يحكم عليها عندما يحصل الطالب على النتيجة ذاتها اذا تقدم مرة ثانية للاختبار في ظروف مشابهة للمرة الاولى ؟ وهل وضعت في الحسبان ايها المعلم الفاضل ان يكون السؤال قصيراً نسبياً ؟ وهل فكرت في ان تكون فقرات الاسئلة المقالية من النوع قصيرة الاجابة ومن النوع طويلة الاجابة كذلك ؟ وهل تمت مراعاة التنويع كذلك في الاسئلة الموضوعية ولاسيما اسئلة التكميل واسئلة المطابقة واسئلة الاختيار من متعدد ؟ وأخيراً وليس آخراً هل تمت مراعاة تلك الاستفسارات جميعاً ليس في ورقة أسئلة بعينها ، بل بمجموع أوراق الاختبارات التي سوف تضعها ايها المربي الكبير لمختلف الصفوف والمقررات الدراسية حتى يتم تحقيق اكبر عدد من الاهداف التربوية المنشودة للمعلم وللمتعلم الذي ينتظر منهم الكثير.
e-mail : jawdatmassa@gmail.com
المقالة الصحفية الرابعة
http://www.alrai.com/article/272689.html
تاريخ النشر في صحيفة الرأي الأردنية: الجمعة: 18 – 4 – 2008
عنوان المقالة:
القيادي الأكاديمي الجامعي ومهارات التخطيط
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
تعتبر مهارات التخطيط والتنظيم من بين أهم المهارات الواجب على القيادي الأكاديمي الجامعي ليس امتلاكها فحسب بل وتطبيقها أيضاً بشكل عملي أو ميداني في مواقف وظيفية متنوعة مثل مهارة رسم الخطط الفصلية والسنوية التي توضح المسيرة الحقيقية والفترات الزمنية اللازمة لإنجازها، والحاجة إلى أعضاء هيئة تدريس واداريين وفنيين جدد سواء في السنة الجديدة أو على مدى السنوات القادمة، بالإضافة إلى مهارة توزيع المسؤوليات والأدوار والمهمات على أعضاء المجالس كل حسب اختصاصه الدقيق من ناحية وحسب اهتماماته وقدراته وميوله واستعداداته من ناحية ثانية.
ولما كانت معظم الوحدات الأكاديمية الجامعية تشتمل على عدة برامج ، فان مهارة تنظيم هذه البرامج بشكل دقيق وناجح بالتعاون الوثيق مع أعضاء هيئة التدريس جميعاً تصبح أساسية للقيادي الأكاديمي الجامعي ولاسيما الكبيرة منها مثل برنامج النمو المهني للعاملين في الجامعة ، وبرنامج البكالوريوس، وبرنامج الدراسات العليا ، وبرنامج الأنشطة المتنوعة التي يخطط القسم لتنفيذها من وقت لآخر.
وتمثل اجتماعات المجالس الجامعية القسم أو المركز أو الكلية أو مجلس العمداء مهارة مركبة بذاتها يجب على القيادي الأكاديمي الجامعي الإلمام بها جيداً وترجمتها إلى عالم الواقع ، ولاسيما من حيث مهارة التحضير الدقيق لهذه الاجتماعات، ومهارة صياغة الدعوة إليها، بحيث تشمل الموضوعات أو القضايا التي تهم أعضاء هيئة التدريس والطلبة، والمطالب الإدارية للكليات والجامعة ، بالإضافة إلى مهارة إدارة الاجتماع ذاته، بحيث يتم طرح الموضوعات الأكثر أهمية أولاً ، فالمهمة ثانياً ، فالأقل أهمية ثالثاً وأخيراً ، في جو من النقاش الحر من جانب الجميع الذي يتم فيه تبادل الآراء وطرح الأفكار البناءة التي تغطي النقاط الموضوعة من قبل.
ومن المهارات الأخرى المتعلقة بالاجتماعات الرسمية مهارة اقتراح فقرات مهمة في جدول أعمال اجتماعات مجلس الكلية الذي يمثل قسمه فيها وجدول أعمال مجلس العمداء الذي تتبع كليته أو مركزه اليه، بحيث تعكس هذه الفقرات اهتمامات العاملين وهمومهم وأنشطتهم وطموحاتهم ، بالإضافة إلى مهارته في النقاش بين زملائه والتي يظهر براعته في الدفاع عن مصالح وحدته الأكاديمية من جهة وتعاونه مع المسؤولين في الخروج من هذه الاجتماعات بقرارات تهم الأقسام والكلية والجامعة في آن واحد من جهة ثانية.
ونظراً لان أَعمال الوحدة الأكاديمية وأنشطتها عديدة ، فان مهارة القيادي الأكاديمي قد تبدو جلية في تشكيل لجان متعددة تأتي اللجنة الإدارية على رأسها، والتي تتألف ممن لديهم الرغبة والخبرة من أعضاء هيئة التدريس والاداريين كي تسهل عليه مهمة القيام ببعض الأمور الإدارية والتنظيمية المختلفة، وكي يكونوا عوناً له إذا ما زادت الأعباء الجديدة خلال مواسم معينة من الفصول الدراسية الجامعية.
وفي الوقت نفسه يستطيع القيادي الأكاديمي الجامعي أن يرشح شخصاً ينوب عنه في غيابه، ويعتقد تماماً بأنه مؤهل للقيام بهذه المهمة من حيث الخبرة السابقة والصفات الإدارية البارزة ، والنشاط المعروف عنه بين زملائه بل وترشيح بعض أعضاء هيئة التدريس لأَية وظائف إدارية جديدة لاسيما إذا تمت استشارته في هذا الصدد.
ومن المهارات الضرورية الأخرى للقيادي الأكاديمي الجامعي مهارة وضع جداول العبء التدريسي من جانبه بالتعاون مع لجنة مصغرة أو مع جميع أعضاء هيئة التدريس ، وتدقيقه جيداً عند وضعه من جانب لجنة خاصة بذلك الجدول، بحيث يتأكد من التوزيع العادل لعدد الساعات حسب الرتب أو الدرجات العلمية لزملائه من ناحية وحسب التخصصات الدقيقة من ناحية ثانية. ويلحق بهذه المهارة في كثير من الحالات مهارة أخرى ينبغي له امتلاكها وممارستها وهي مهارة تصميم جداول الاختبارات النصفية أو الفصلية النهائية بعد تدقيقها والاقتناع بها بالتعاون مع المدرسين ومدير القبول والتسجيل، ومحاولة إجراء التعديلات عليها إذا ما تطلبت المصلحة ذلك.
وإذا كان القسم أو المركز الأكاديمي يطرح أحيانا برامج للدراسات العليا على مستوى الماجستير أو الدكتوراه، فان على رئيسه امتلاك مهارة الإشراف ليس على الرسائل العلمية فحسب بل وأيضاً إجراء الترتيبات الإدارية والتنظيمية والإعلامية اللازمة لمناقشة هذه الرسائل بشكل دقيق يعكس أهمية هذا الحدث العلمي، وروح هذا التقليد الجامعي العريق، ويؤدي إلى نجاح العمل ورفع سمعة الجامعة ، بالتعاون الوثيق مع كلية الدراسات العليا.
ومن بين مهارات التخطيط المستقبلية الواجب على القيادي الأكاديمي الجامعي إتقانها، مهارة وضع الميزانية يوضح فيها الحاجة إلى أعضاء هيئة تدريس جدد ، أو إداريين أو فنيين آخرين ، وتوفير معدات تعليمية أو مختبرات، أو إجراء بحوث جديدة ، أو عقد مؤتمرات علمية ، أو ندوات تخصصية ، أو القيام بزيارات ميدانية، أو شراء مواد استهلاكية متنوعة ضرورية للقسم ومختبراته ومعامله.
وكلما توسعت الجامعة في البرامج والتخصصات زادت الحاجة إلى ضرورة وجود مهارات إشرافية لدى القيادي الأكاديمي الجامعي مثل مهارة الإشراف الدقيق على تلك البرامج وما يتبعها من مختبرات سواء من خلاله شخصياً أو من خلال أشخاص يختارهم للنيابة عنه. ونظراً لزيادة عدد البرامج والتخصصات والمختبرات ، فان الناتج الأكاديمي سيزداد من جانب أعضاء هيئة التدريس والطلبة، مما يعني بالضرورة توفر مهارة إقامة المعارض المؤقتة والدائمة بإشراف مباشر من جانبه. بحيث يدعى إلى المعرض أبناء المجتمع المحلي وأولياء الأمور ، كي ينعكس إيجاباً على أداء كل من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة.
كما قد يتم عمل معرض دائم في القسم يتم بموجبه تحويل بعض المكاتب إلى منتجات متميزة للطلبة اختيرت بدقة من المعارض المؤقتة ووضعها في مكاتب أعضاء هيئة التدريس كل حسب اختصاصه، في الوقت الذي يتم فيه تزيين أروقة القسم باللوحات الجميلة الفنية أو التعليمية تحت إشراف دقيق منه ، مما يعكس جواً من الحيوية والنشاط والذوق والجمال وروح الأكاديمية على الأماكن التي تشغلها الوحدة الأكاديمية التي يرأسها.
ويبقى التخطيط التنظيمي الأكاديمي والإداري لعقد ندوات علمية محلية قصيرة تعود بالفائدة والنفع على الجامعة بحيث يقوم بالتخطيط لها جيداً بالتنسيق مع أعضاء هيئة التدريس لديه وبعض رؤساء الأقسام في الكلية والجامعة بل ومع بعض أفراد المجتمع المحلي أحياناً ، كي تخرج بالشكل المناسب ويتم تنفيذها بالطريقة الصحيحة لتحقيق الأهداف التربوية والعلمية المنشودة.
e-mail : jawdatmassa@gmail.com
المقالة الصحفية الخامسة
http://www.alrai.com/article/251140.html
عنوان المقالة:
وسائل مقترحة لتوثيق العلاقات بين الجامعات
تاريخ النشر في صحيفة الرأي الأردنية: الأربعاء 5 – 12 – 2007
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
لا يكفي ان تكون لأي جامعة محلية علاقة وطيدة بالمجتمع المحيط بها أو حتى بالجامعات المحلية الاخرى، بل لا بد ايضا من مد جسور قوية بينها وبين الجامعات العربية والدولية، حتى تكتسب المصداقية والسمعة الحقيقية في برامجها وخططها الدراسية ومناشطها الاكاديمية والبحثية المختلفة. ومن أجل تحقيق ذلك بصورة فاعلة، فانه يمكن اقتراح الوسائل العديدة الآتية لتقوية هذه العلاقات:
1) قضاء إجازات التفرغ العلمي: فقد تبنت معظم الجامعات نظام قضاء أعضاء هيئة التدريس فيها لاجازة التفرغ العلمي بعد انقضاء ست سنوات من العمل المتواصل فيها، على ان يختار من تنطبق عليه الشروط جامعة اخرى يحصل منها على موافقة مسبقة للعمل فيها من اجل تحقيق هدفين مهمين هما: التدريس والبحث العلمي، وذلك بعد أن يقدم خطط البحث المطلوبة. وهنا يقضي الأستاذ الجامعي سنة كاملة في جامعة أخرى، يقوم بالاطلاع على انظمتها وخططها وبرامجها ومراكزها ومعاملها وكلياتها ومناشطها، كما يحتك بأعضاء هيئة التدريس فيها ويجري معهم الحوارات والمناقشات والندوات ويقدم المحاضرات ، ويطبق الأبحاث، ويشارك في اللقاءات والمؤتمرات العلمية والمناشط الاخرى التي تزيد من خبراته وتوسع من افقه وأفكاره.
2) إقامة الندوات العلمية المشتركة على القنوات الفضائية: فبعد أن اصبحت القنوات التلفزيونية الفضائية تلعب دوراً إعلامياً خطيراً في حياة الأمم والشعوب، وبعد أن أصبح من السهل إقامة الندوات والحوارات العلمية المشتركة بين الاساتذة والمفكرين والمؤلفين في الجامعات المختلفة مهما بعدت المسافات بينهم، فإنه ينبغي تشجيع اعضاء هيئة التدريس اللامعين والذين يتمتعون بكفاءات وقدرات علمية متميزة في الحوار والإقناع، على مقابلة زملائهم من المتخصصين في الجامعات الأخرى، على أثير القنوات التلفزيونية الفضائية، من أجل مناقشة قضية من القضايا العلمية او الفكرية او التربوية او الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية او الدينية او الطبية او الفنية او القانونية او المهنية،و التي تهم في طبيعتها الجماهير العربية او الدولية، مما يسهم في توضيحها ووضع السبل الكفيلة لحلها من ناحية، ويعزز من العلاقات المرغوب فيها بين تلك الجامعات من ناحية ثانية،مما يعود عليها بالنفع والفائدة والتطور والنماء.
3) تعزيز نظام الإشراف المشترك على الاطروحات العلمية: وهذه تمثل قمة التعاون الاكاديمي العميق الذي يمكن ان يتم بين الجامعات المختلفة من محلية وعربية ودولية، لاسيما اذا تعددت برامج الماجستير والدكتوراه ،ووضعت الانظمة العلمية الدقيقة بين الجامعات المحلية والخارجية للاشراف المشترك على الاطروحات والرسائل العلمية الجامعية، بحيث يكون في الداخل مشرف مقيم و في الجامعات الخارجية مشرف رئيس، اذا كان طالب الدكتوراه يدرس في جامعة أجنبية، على أن يسافر ذلك الطالب إلى تلك الجامعة التي بينها وبين الجامعة المحلية اتفاق بهذا الخصوص، لدراسة بعض المقررات المعتمدة، والاتصال بالمشرف الرئيس لتبادل الرأي حول مسيرة الطالب الأكاديمية والبحثية، وذلك عن طريق المراسلات المختلفة ولا سيما بالبريد الالكتروني فقط أما اذا كان نظام الأشراف بين جامعتين محليتين، فيكون الأستاذ المشرف في الجامعة التي يلتحق بها الطالب هو المشرف الرئيس ويكون المشرف في الجامعة الأخرى هو المشرف المشارك، على أن يتم التعاون الوثيق بينهما باللقاءات أو المحادثات الهاتفية أو عن طريق البريد الالكتروني، لما فيه مصلحة الطالب ودعم مسيرته. كما أن تطبيق نظام الممتحن الخارجي External Examiner عند مناقشة الاطروحات العلمية عن طريق تعيين مناقش خارجي من جامعة اخرى غير تلك الجامعة التابع لها الطالب يمثل عملا تعاونيا أصيلا بين الجامعات ، مما يعزز من العلاقات بينها، ويزيد من مصداقية برامج الدراسات العليا، ويعمل على مد جسور التعاون بين الجامعات المختلفة من جهة، والى تبادل الخبرات بين أساتذتها من ذوي التخصصات المتنوعة من جهة ثانية.
4) تشجيع الزيارات الطلابية بين الجامعات: فاحتكاك طلبة الجامعات الاردنية بزملائهم من الجامعات العربية والاجنبية يزيد من سعة افق الطلبة، وتجعلهم هذه الزيارات ينقلون صورة عن واقع جامعاتهم وبلادهم الى زملائهم في الخارج، بالإضافة الى اطلاعهم على ما وصلت إليه تلك الجامعات من تقدم ورقي في المباني والخطط والبرامج والمناشط المتنوعة، كما يتعرف الطلبة العرب والاجانب عند زيارتهم للجامعات المحلية على ما تطرحه جامعاتنا من برامج، وما تقوم به من خدمات للطلبة والبيئة المحلية، لا سيما اذا تم وضع برامج دقيقة لتلك الزيارات، بحيث يتم من خلالها زيارة كليات الجامعة ومرافقها ومعاملها ومراكزها، مما يزيد من احتكاك الطلبة المحليين بهم، وتبادل الافكار والاراء والخبرات معهم، وتكوين صداقات دائمة، حتى بعد عودة الطلبة الضيوف الى الجامعة الأصلية، مما يقوي العلاقة بين الجامعات في الداخل ومثيلاتها في الخارج.
5) تطبيق مبدأ التوأمة بين الجامعات: فلقد شاع تطبيق مبدأ التوأمة بين المدن المختلفة والمؤسسات المتنوعة في الدول التي تفصلها مسافات شاسعة، حتى وصل تطبيق هذا المبدأ الى الجامعات والمعاهد العليا. ولا شك ان تنفيذ هذا المبدأ بتبادل الكثير من الأمور التي تعود بالفائدة على اعضاء هيئة التدريس فيها وطلبتها، حيث يتم السماح لتدريس الاساتذة لمدة فصل دراسي او اثنين او اكثر، وإقامة المشاريع العلمية والبحثية والتطويرية التعاونية ، والاشراف على الاطروحات العلمية حسب النظام المشترك، وتبادل المؤلفات والمراجع ، وتطوير الخدمات الطلابية والمكتبية ، والقيام بالزيارات العلمية والطلابية، وتبادل المعلومات حول موضوعات وقضايا متعددة، والتصدي للمشكلات العلمية والبيئية المتقاربة في طبيعتها، ووضع المشاريع والمخططات والبرامج التوسعية ذات الاهتمام المشترك، وما الى ذلك من أمور تعود بالنفع على الجامعتين.
6) إقامة المؤتمرات العلمية: حيث يمثل عقد المؤتمرات العلمية وسيلة حقيقية لتقوية اواصر العلاقات بين الجامعات المختلفة، ولا سيما إذا كان مستوى تلك المؤتمرات يتعدى المجال المحلي، لينطلق منه الى المجالين العربي والدولي، وذلك نظراً لما تلقاه هذه المؤتمرات من تجاوب بين الباحثين من اعضاء هيئة التدريس. فما ان يلتقي هؤلاء من جامعات محلية وعربية ودولية خلال جلسات المؤتمر، حتى يتم التعارف وتبادل الخبرات والأفكار، وطرح الآراء والتعليقات والتعقيبات والإضافات، كما تدور الحوارات والمناقشات المتنوعة التي تؤدي الى تلاقح الافكار وتطويرها ،كما يتم تبادل المؤلفات والأبحاث العلمية وكتابة العناوين الشخصية والبدء بالمراسلات المستمرة عن طريق البريد العادي او الالكتروني لمتابعة المعلومات التخصصية التي تفيد الطرفين.
7) توسيع استخدام شبكة الانترنت: إن تشجيع الجامعة لاعضاء هيئة التدريس فيها على استخدام شبكة الانترنت وتوفير الاجهزة لكل واحد منهم يؤدي الى اطلاعهم على احدث المقالات العلمية، والمؤلفات الأكاديمية، والمؤتمرات التخصصية، والمشاريع البحثية، والإعلانات العربية والدولية عن قضاء إجازات التفرغ العلمي، أو وجود منح مادية لدعم بحوث تخصصات معينة، أو جوائز علمية تتطلب مشاركة نشطة في موضوعات جامعية مهمة. كذلك فإن استخدام البريد الالكتروني E-mail يزيد من التواصل المستمر بين ذوي التخصص الواحد من اساتذة الجامعات، وتبادل الاخبار والمعلومات ذات العلاقة بالاهتمامات المشتركة بينهم.
8) إقامة الندوات او الورش العلمية المشتركة: فإذا ما تعذر عقد المؤتمرات العلمية لاسباب مادية او فنية او تنظيمية مختلفة، تصبح إقامة الندوات اوالورش العلمية المشتركة بين الجامعات المحلية الحل الأمثل للإبقاء على أدنى درجات التواصل بين اعضاء هيئة التدريس من ذوي التخصص الواحد، ولا سيما بعد تشكيل لجان مشتركة للتخطيط الدقيق لهذه المناشط العلمية، ثم لتنفيذها وتقويم اثرها في مرحلة لاحقة.
9) تطبيق مبدأ جوائز التقدير العلمية على المستوى المحلي والعربي والدولي: حيث تخصص الجامعات العريقة جوائز للباحثين والمؤلفين في ميادين العلم المختلفة على المستوى المحلي تارة والعربي والدولي تارة اخرى، مما يؤدي الى تلقي القائمين على هذه الجوائز لمساهمات اعضاء هيئة التدريس من جامعات ومؤسسات علمية كثيرة داخلية وخارجية، وان مجرد لقاء الفائزين بهذه الجوائزمن هذه الجامعات يعزز من فرص التعارف والتعاون وتقوية العلاقات بينهم. ويمكن هنا تشجيع القطاع الخاص في المجتمع المحلي على دعم هذه الجوائز، لأن المردود الايجابي يعود بالتالي على جامعتهم وبلدهم بالدرجة الاساس. كذلك فإن إخراج الانتاج العلمي للفائزين في هذه الجوائز على شكل مجلدات دورية سيفيد الباحثين كثيراً، وسيرفع من سمعة الجامعة عند تبادل هذه المجلدات مع غيرها من الجامعات الأخرى، ويؤكد للجميع مدى رعاية الجامعات للعلم والبحث العلمي، وتقدير الباحثين والمؤلفين في مجالات تخصصهم المتنوعة.
10) إصدار الدوريات العلمية والتخصصية المختلفة: حيث تصدر الجامعات الكبرى والعريقة دوريات علمية عديدة لا تقتصر على تخصصات بعينها بل على ميادين علمية متنوعة. وتتلقى هيئات تحرير هذه الدوريات الكثير من الأبحاث والمقالات العلمية سنويا من الباحثين في الجامعات القريبة والبعيدة، وان تحكيم هذه الابحاث يجعل الجامعة تتصل بعشرات الاساتذة الجامعيين المتميزين في حقول تخصصاتهم،مما يجعل الجامعة التي تصدر هذه الدوريات قبلة الباحثين والمفكرين والمؤلفين والمحكمين، ومصدراً من مصادر العلم والمعرفة، ومجالاً لتقوية العلاقات بين الباحثين في الجامعات المختلفة.
11) تبادل المؤلفات والأبحاث والمطبوعات: ولا سيما تلك التي يقوم بتأليفها أعضاء هيئة التدريس أو التي تصدر بصورة عامة عن الجامعة، بحيث تتم عملية تبادلها مع الجامعات الشقيقة والصديقة. ولتشجيع هذا الاقتراح فإن العديد من الجامعات العريقة تقوم بشراء ما بين خمسين إلى مائة نسخة من كل كتاب يصدر عن أعضاء هيئة التدريس فيها وتعمل على تبادل هذه النسخ مع الجامعات الأخرى، مما يؤدي إلى رفع اسم الجامعة التي تنتمي اليها فئة المؤلفين، ويتعرف الباحثون في الجامعات الأخرى على النشاط العلمي لأعضاء الهيئة التدريسية، وتزداد العلاقة بينهم قوة عن طريق قراءة المؤلفات المتبادلة ومراجعتها علمياً والتعليق عليها.
12) توقيع الاتفاقيات الثنائية: حيث توقع الجامعات العريقة العديد من الاتفاقيات الثنائية للتعاون مع جامعات أخرى في مجالات متنوعة، يتم فيها تبادل الخبرات والأساتذة والأبحاث، والتعرف إلى المشكلات المشتركة، وكيفية التصدي لها بروح الفريق بالأساليب العلمية والتدريبات الموحدة وبالتعاون المستمر بينها.
13) تبادل الزيارات العلمية: فقد أصبح أسلوب تبادل الزيارات العلمية من بين أساليب التطوير الضرورية للجامعات المختلفة، حيث يتم عن طريقه الاطلاع على ما تقدمه الجامعات الأخرى من برامج، وما تطبقه من أساليب وخطط ، وما تقوم به من مناشط منهجية ولا منهجية، وما تتطوع فيه من خدمة المجتمع المحلي، وما ترسمه من خطط مستقبلية للتوسع، وما تبذله من جهود في سبيل التصدي لمشكلات العصر باستخدام وسائل التكنولوجيا المعاصرة، مما يقوي العلاقات وينميها بين الجامعات.
14) إجراء الأبحاث والدراسات المشتركة: حيث تهدف الجامعات النشطة إلى تشجيع أعضاء هيئة التدريس فيها على اجراء بحوث مشتركة مع زملائهم من ذوي التخصص الواحد في الجامعات الأخرى، وذلك من أجل الوصول إلى فهم أعمق للبحوث، والعمل على إخراج الدراسات التي تركز على المقارنات بين مؤسسات التعليم العالي المختلفة، ونشر البحوث في المجلات العالمية المرموقة، لا سيما وان الترقيات الأكاديمية في الكثير من الجامعات المتطورة تتطلب من عضو هيئة التدريس نشر أبحاث في مجلات عالمية ذات سمعة مرموقة، مما يدعم هذا الاقتراح بإجراء البحوث المشتركة بين زملاء التخصص الواحد في جامعات متعددة.
المقالة الصحفية السادسة
http://www.alrai.com/article/255919.html
http://alrai.com/article/254373
تاريخ النشر في صحيفة الرأي الأردنية: الثلاثاء 8/1/2008
عنوان المقالة:
المهام الأكاديمية للقيادات الإدارية الجامعية
بقلم: أ.د.جودت أحمد سعادة المساعيد
يقصد الكاتب بالقيادي الإداري الجامعي في هذه المقالة، ذلك الشخص الذي يتولى مسؤوليات تتعلق بإدارة وحدة أكاديمية جامعية سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، والتي قد تبدأ برئاسة قسم من الأقسام الأكاديمية مثل قسم اللغة العربية أو الهندسة الكهربائية، ثم تنتقل إلى إدارة المركز الأكاديمي مثل مركز الحاسوب أو الاستشارات أو الدراسات البيئية، ثم ترتفع إلى مهام أكثر اتساعاً وتعقيداً تتمثل في عمادة الكليات العلمية أو الإنسانية مثل كلية الهندسة أو العلوم أو الاقتصاد، ثم تنتهي في أعلى السلم الهرمي برئاسة الجامعة، حيث الرئيس والنواب وبعض المساعدين. ولهذا القيادي الإداري الجامعي دوران رئيسان مهما تعددت مسؤولياته، وكثرت مهامه، وتشعبت واجباته، وتعددت البرامج المطروحة عنده، وتنوعت تخصصات أعضاء هيئة التدريس الذي يخدمون هذه البرامج. وهذا التنوع الكبير في المهام والوظائف للقيادي الجامعي تفرضه عوامل عديدة يتمثل أهمها في طبيعة التخصصات الأكاديمية الموجودة، وعدد أعضاء هيئة التدريس المنتمين إليها، وتنوع خبراتهم، واختلاف قدراتهم واهتماماتهم وخلفياتهم الثقافية والمهنية، وتعدد ميولهم واستعداداتهم، وتمايز أنشطتهم ومجهوداتهم، وعدد الطلبة الذين يقومون بتدريسهم المقررات النظرية والتطبيقية، وعدد المعامل أو المختبرات التي يشرفون عليها إن وجدت، وأهداف هذه المعامل وإمكاناتها ورسالتها، ودور القسم أو المركز أو الكلية أوالجامعة في تحقيق الأهداف المنشودة على المستويات المحلية والعربية والإسلامية والدولية، وذلك بجهود أعضائه فرادى أو مجتمعين. ويمكن لهذه المهام والمسؤوليات أن تندرج تحت دورين مهمين للقيادي الإداري الجامعي هما: الدور الأكاديمي أولاً، ثم الدور القيادي ثانياً، وسوف تقتصر هذه المقالة على توضيح الدور الأكاديمي فقط، على أن يتم عرض الدور الإداري والقيادي في مقالة أخرى بإذن الله، حيث توجد لهذا القيادي الجامعي مهام ومسؤوليات أكاديمية كثيرة جداً من المفترض أن يكون قد مارس بعضها مسبقاً من خلال خبراته الطويلة، وأن يمارس بعضها أو كلها حالياً كلما تطلبت وظيفته ذلك. وتتمثل هذه المهام الأكاديمية للقيادي الجامعي في الآتي:
- التدريس الفعال للعديد من المقررات التخصصية لطلبة البكالوريوس والدراسات العليا لفترات زمنية طويلة وفي جامعات عديدة محلية وغير محلية.
- الإشراف العلمي الناجح على رسائل الماجستير والدكتوراة في التخصص الدقيق، أو في مجالات قريبة منه.
- الإرشاد الأكاديمي لسنوات طويلة لطلبة البكالوريوس والدراسات العليا، بحيث يستطيع بعدها ليس مساعدة الطلاب في عمليات الإرشاد فحسب، بل وفي حل المشكلات العديدة التي تواجههم من وقت إلى آخر.
- الاشتراك في مقابلة طلبة البكالوريوس المرشحين للقبول في الكلية، وذلك للتأكد من صلاحيتهم للتخصص الذي سيلتحقون به فعلاً.
- الاشتراك في مقابلة الطلبة الجدد المرشحين لبرامج الدراسات العليا، وذلك للتأكد من نقاط القوة وجوانب الضعف لديهم، تمهيداً لقبول ذوي المستوى العالي منهم والتوصية بإلزام بعضهم بمقررات استدراكية سابقة وضرورية لهم، تعالج نواحي الضعف الأكاديمي لديهم.
- اقتراح برامج جديدة للبكالوريوس من وقت لآخر، يستفيد منها المجتمع المحلي، وتتيح للطلبة فرصة أوسع كي يختاروا منها ما يناسب حاجاتهم واهتماماتهم وقدراتهم المختلفة أصلاً.
- اقتراح برامج جديدة للدراسات العليا في القسم أو المركز أو الكلية أو الجامعة تخدم المجتمع المحلي، وتتمشى مع الخطط التنموية المتنوعة من اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية.
- المشاركة في وضع الخطط الأكاديمية التفصيلية لبرامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراة.
* تعديل الخطط الدراسية للبكالوريوس وتطويرها من وقت لآخر بناء على الخطوات التطبيقية لها من جهة، والتقويم المستمر لها من جهة ثانية، وذلك بالتعاون مع ذوي العلاقة. - الإشراف على توصيف المقررات الأكاديمية وتطبيقها لفترة زمنية ليست طويلة، ثم إعادة توصيفها من جديد،وذلك في ضوء التطبيق الميداني لها، وبناء على المستجدات المعرفية المتزايدة.
- عمل دليل للمقررات الدراسية، يشتمل على رمز المقرر، وعنوانه وأهدافه ومحتوياته، ونظام تقويمه، وأهم مراجعه، كي يعود إليه القيادي الإداري وأعضاء هيئة التدريس من وقت لآخر، ويكون عوناً لأعضاء هيئة التدريس الجدد.
- نشر البحوث العلمية في دوريات جامعية محكمة مرموقة، بحيث تعالج موضوعات وقضايا لها علاقة بتخصص القيادي الإداري الجامعي وتفيد المجتمع والباحثين والمهتمين في هذا المجال.
- الاستمرار في إجراء البحوث العلمية رغم الأعباء الأكاديمية والإدارية، ورغم الحصول على أعلى الرتب والألقاب العلمية، لأن القيادي الإداري الناجح يبقى باحثاً ناجحاً على الدوام حتى بعد حصوله على رتبة الأستاذية أو بعد تقلده مناصب إدارية رفيعة، حيث للنضج والخبرة الأثر الإيجابي الكبير في نوعية هذه الأبحاث.
- تأليف الكتب الجامعية التخصصية ذات المستوى الرفيع، والتي يتم تدريسها ليس في الجامعة التي يعمل بها فحسب، بل وفي العديد من المعاهد والجامعات المرموقة الأخرى كذلك.
- تحكيم البحوث العلمية المقدمة للنشر في مجلات أو دوريات جامعية محكمة ومرموقة، بحيث تعكس خبرته الأكاديمية الطويلة وسمعته العلمية المرموقة.
- العمل كخبير في مجال تخصصه، ليس في داخل الجامعة التي يعمل بها فحسب، بل وأيضاً في جامعات أخرى، عندما تطلبه لمهمات أكاديمية وبحثية متنوعة.
- الحكم على الإنتاج العلمي المقدم للترقية، في الجامعة التي يعمل بها وفي جامعات ومؤسسات ومعاهد علمية أخرى.
- تشجيع أعضاء هيئة التدريس على إجراء البحوث الفردية وتأليف الكتب الجامعية التخصصية كل في مجاله الأكاديمي، ورفع ذلك إلى عمادة الكلية وإدارة الجامعة لتقديم الدعم المادي والمعنوي.
- تشجيع أعضاء هيئة التدريس على المشاركة في البحوث الجماعية مع زملائهم في الجامعة وخارجها، وتسهيل عملية تطبيقها في الجامعة أو في المجتمع المحلي أو الإقليمي أو الدولي.
- المبادرة بتقديم الخدمات والاستشارات الأكاديمية للمجتمع المحلي، عندما يطلب منه ذلك، بل وعليه أن يبادر في هذا الصدد من وقت إلى آخر.
- ترشيح عضو هيئة تدريس واحد أو أكثر لإلقاء المحاضرات أو عمل الندوات أو اللقاءات العملية، عندما تطلب أي جهة أو مؤسسة ذلك.
- مناقشة القضايا الأكاديمية التي يثيرها الطلبة من وقت إلى آخر، وذلك في الاجتماعات الدورية المختلفة التي تتم من وقت لآخر.
- سعة الإطلاع، ليس في مجال تخصصه الأكاديمي فحسب، بل وفي مجالات أخرى علمية وثقافية عامة كذلك.
- تقديم الآراء والاقتراحات العلمية القيمة في الاجتماعات الرسمية أو اللقاءات الفكرية أو الثقافية أو الندوات أو المؤتمرات العلمية.
- إلقاء المحاضرات العامة التخصصية أو الثقافية من وقت إلى آخر، ولا سيما عندما يطلب منه ذلك بشكل رسمي أو غير رسمي.
- الاشتراك الفعلي في عقد الندوات العلمية الجامعية.
- إدارة حلقات البحث أو الندوات الأكاديمية المفيدة للنمو المهني لأعضاء هيئة التدريس أو الاشتراك فيها.
- إدارة حلقات بحث الدراسات العليا والخاصة بتدريب الباحثين من طلبة الماجستير والدكتوراة أو الاشتراك في مناقشة مخططات الأطروحات العلمية على الأقل.
- إقامة الورش العلمية المفيدة في موضوعات ذات أهمية بالغة لطلبة الجامعة أو المؤسسات ذات العلاقة في المجتمع المحلي، أو الاشتراك فيها مع زملاء آخرين من التخصص الذي ينتمي إليه أو تخصصات أكاديمية أخرى داخل الجامعة أو خارجها.
- أن يكون القيادي الإداري الجامعي ناقداً للمعلومات التي يقرؤها أو يسمعها بشكل بناء وهادف، وليس ناقلاً لها فقط، يرددها كما هي دون تحليل أو تقويم سليمين.
- ضرورة تمتع القيادي الإداري الجامعي بسمعة علمية واسعة في مجال تخصصه وبشخصية علمية قوية، بعيداً عن تقليد الباحثين والمؤلفين الآخرين، بل يعد مرجعاً علمياً لهم ولغيرهم.
- المساهمة في اختيار أفضل العناصر المتقدمة للعمل في الجامعة بموجب المعايير الاكاديمية ذات العلاقة.
- تشجيع النمو المهني لأعضاء هيئة التدريس عن طريق حفزهم على المشاركة في حلقات البحث والندوات والمؤتمرات والورش المتنوعة داخلياً وخارجياً، وكتابة البحوث والمقالات العلمية.
- الرد العلمي الدقيق على الاستفسارات التي ترد من داخل الجامعة وخارجها حول موضوعات وقضايا أكاديمية ذات علاقة.
- التعاون الوثيق مع من هم ضمن السلم الهرمي الأكاديمي الجامعي، في سبيل العمل على إنجاح العملية الأكاديمية وتطويرها نحو الأفضل.
- توزيع جدول العبء التدريسي على أعضاء هيئة التدريس في القسم أو المركز أو الكلية حسب التخصصات العلمية الدقيقة لهم، بعد استشارتهم، وبما يخدم الصالح العام في نهاية المطاف.
- الإسهام مع أعضاء هيئة التدريس في حل مشكلات الإرشاد الأكاديمي، التي تواجه طلبة البكالوريوس وطلبة الدراسات العليا على حد سواء.
- الرد على الاستفسارات الأكاديمية للطلبة الذين يراجعونه، ومحاولة توجيههم و مساعدتهم لإيجاد الكتب والمراجع ومن مكتبته الخاصة، إذا تطلب الأمر ذلك.
- إعداد خطة علمية دقيقة لكل مقرر يقوم بتدريسه لطلبة البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة مهما كان موقعه الإداري، يتم توزيعها في بداية الفصل الدراسي، وتتضمن أهداف المقرر ومحتواه والخطة الزمنية للتنفيذ، وإجراءات تقويم الطلبة فيه، وأهم المراجع ذات العلاقة.
- إعداد مواد تعليمية عديدة لمقررات البكالوريوس والدراسات العليا التي يقوم بتدريسها، بحيث تراعي ما بين الطلبة من فروق فردية، وتسهل عملية التدريس وتزيد من فاعليتها.
- تطبيق الأفكار الحديثة ولا سيما في مجال طرائق التدريس، مثل طريقة حل المشكلات، وطريقة العصف الذهني، وطريقة المحاضرة المعدلة، وذلك لزيادة التفاعل بين الطلبة لتحقيق العديد من الأهداف المنشودة او المرغوب فيها.
- الإسهام في تأليف كتب المدارس وكليات المجتمع، وعدم الاقتصار على الكتب الجامعية فقط، خاصة عندما يطلب منه ذلك في مجال تخصصه الدقيق.
- الإسهام في حل المشكلات التي تعاني منها المجتمعات المحلية، وذلك بإقامة الحوار والندوات، أو بإجراء البحوث والدراسات الميدانية في مجال تخصصه العام أو الدقيق.
- الاشتراك في المؤتمرات العلمية التي تعقد على المستويات الوطنية والعربية والدولية، مما ينعكس إيجابا على أدائه وعمله الأكاديمي.
- الاشتراك في جمعيات علمية عربية ودولية لها علاقة بتخصصه الأكاديمي الدقيق، كي يطلع على أحدث المعلومات والتطورات العلمية المختلفة.
- الاشتراك في اللجان العلمية والأكاديمية، مثل لجنة التعيينات، ولجنة البحوث العلمية، ولجنة الإرشاد الأكاديمي، ولجنة المكتبة.
- الاشتراك في هيئات تحرير مجلات علمية وأكاديمية مرموقة لها علاقة وثيقة بمجال تخصصه الدقيق، وتفيد الباحثين وطلاب الدراسات العليا .
- العمل على تطوير أنظمة الاختبارات، مع الأخذ بفكرة تنويعها، بحيث لا تقتصر على الاختبارات التحريرية التي تركز على الحفظ فقط، مع ضرورة الاهتمام بالاختبارات، التي تنمي التفكير الناقد والإبداعي والتحليل والعمليات العقلية العليا.
- العمل على وضع الأدلة العلمية للقسم أو المركز أو الكلية أو الجامعة وبرامجها المختلفة.
- الاشتراك بفاعلية كبيرة في وضع لائحة دقيقة لبرنامج الدراسات العليا في مجال تخصصه، تحكم المسار العملي له، بعيداً عن العشوائية والارتجالية والمزاجية في التطبيق، وبالتعاون الوثيق مع عمادة الدراسات العليا في الجامعة.
- تسهيل مهمة طلبة الدراسات العليا، وذلك عن طريق تزويدهم بالبحوث والدراسات والمؤلفات التي قام بنشرها هو أو غيره من أعضاء هيئة التدريس وذات العلاقة الوثيقة باهتمامات هؤلاء الطلبة وموضوعات بحوثهم.
- إنشاء مكتبة تخصصية للدراسات العليا، تشتمل على رسائل الماجستير والدكتوراة، التي تفيدهم في بحوثهم المستقبلية، وتكون عوناً لهم وللباحثين من أعضاء هيئة التدريس، على أن يتم إلحاقها بالكلية و تكون رديفاً لمكتبة الجامعة.
- الإسهام مع الآخرين في إنشاء المراكز البحثية والعلمية والتدريسية الجديدة والإسهام كذلك في الإشراف عليها وتطويرها من وقت إلى آخر.
- توجيه أعضاء هيئة التدريس الجدد أكاديمياً، وذلك عن طريق توضيح مهامهم العلمية ومسؤولياتهم التدريسية في اجتماعات عديدة معهم.
- مساعدة أعضاء هيئة التدريس بصورة عامة في حل المشكلات الأكاديمية.
- حسم الخلافات الأكاديمية التي قد تنشأ بين أعضاء هيئة التدريس والمتعلقة بالمقررات الدراسية، أو بالمعلومات والمعارف المتنوعة، أو بالجدول التدريسي.
- المساهمة في توفير المواد والوسائل التعليمية والإمكانات التي ترفع من مستوى التدريس.
- التأكد من جودة الكتب الدراسية المقررة لمختلف الموضوعات ودقتها ومستواها الرفيع، والتوصية بالأفضل والأحدث من بينها، الذي يتمشى مع التوصيف الدقيق لكل مقرر.
المقالة الصحفية السابعة
عنوان المقالة:
التدخين: متى ندق ناقوس الخطر؟
https://alghad.com/articles/2281882
تاريخ النشر في صحيفة الغد الأردنية: الأربعاء 30 – 5 – 2018.
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد لا توجد ظاهرة سلوك بشرية أجمع الناس باختلاف أجناسهم وألوانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم وأوطانهم، على آثارها الضارة جسمياً ومادياً مثل التدخين. تلك الظاهرة التي انتشرت بين الأفراد والشعوب، انتشار النار في الهشيم، كي تحرق الأموال بسرعة وتقضي على العمر ببطء.
وقد أثبت العلم الحديث والطب المعاصر بما لا يدع مجالاً للشك، أن ظاهرة التدخين تؤدي الى إصابة الإنسان بأمراضٍ عديدة مثل تصلب شرايين القلب، والسُعال الحاد المزمن، والالتهاب المؤلم للصدر، وسرطان كلٍ من الفم واللسان والحنجرة والمريء، وذلك بالنسبة للذكور والإناث معاً، في حين يعد التدخين من بين العوامل المهمة المسببة لسرطان عنق الرحم بالنسبة للإناث، إضافة الى التأثير الضار على الجنين؛ إذ يقل وزن الطفل عند الولادة من أم تتعاطى التدخين بنسبة 10 % على الأقل عن وزن الطفل العادي من أم لا تمارس هذه العادة الضارة. هذا ناهيك عن ظهور مشكلة التدخين السلبي، Passive Smokingلا سيما وأن المدخن يؤثر سلباً على من حوله من الناس غير المدخنين؛ حيث تجبرهم الظروف على استنشاق الهواء المليء بالدخان داخل الحافلات أو السيارات الخاصة أو العامة، أو خلال المشاركة في المناسبات الاجتماعية المختلفة من أفراح أو أتراح، مما يشجع على ظهور أعراض سرطان قرحة المعدة تارة وقرحة الاثني عشر تارة أخرى. كما أثبتت الأبحاث الطبية أن حوالي 80 % من المصابين بسرطان الرئة هم من المدخنين، وأن نسبة الاستجابة للعلاج من جانب المصابين بقرحة المعدة أو بقرحة الاثني عشر من غير المدخنين هي أعلى بكثير من استجابة المصابين بهذا المرض من المدخنين.
ورغم كل هذه الأمراض والأعراض التي تكلف ميزانية الحكومات أموالاً طائلة، يتم قطعها عن أفواه المحتاجين للطعام المتوازن والشراب النقي، والذي كان بالإمكان وصوله إليهم لولا التكاليف المادية الباهظة التي تضيع هنا وهناك من أجل علاج المصابين بالأمراض الناجمة عن التدخين.
ومع أن أجهزة الإعلام قد امتنعت عن السماح بنشر الدعايات الخاصة بالتدخين، والاستعاضة عنها بإظهار مضاره المختلفة، مع عقد الندوات العلمية والتربوية والاجتماعية المتنوعة، ونشر المقالات التشخيصية والعلاجية الهادفة، ورغم أن بعض الدول قد فرضت فعلاً على الشركات التي تنتج التبغ والسجائر وتعمل على تسويقهما، دفع مليارات الدولارات لتعويضها عن الخسائر المادية الهائلة التي تنفقها على المرضى، إلا أن ظاهرة التدخين في ازدياد مستمر من حيث الانتشار في الأوطان والأمصار، وتعميم الأمراض والأضرار.
وإذا ما أدركنا السبب الأساس في انتشار هذه الظاهرة السلبية لدى فئة اجتماعية معينة والعزوف عنها لدى فئة أخرى، لتبين لنا جميعاً أن السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الدائم بين العلم والجهل، وبين المسؤولية واللامبالاة، وبين النضج والطيش، وبين النفع والضرر.
ففي المراهقة والطيش يكمن الجهل الحقيقي بمضار التدخين المادية والجسدية. ففئة المراهقين غالباً ما تعتقد بأن التدخين يمثل نوعاً من إثبات الرجولة والاستقلالية في عملية صنع القرارات أو اتخاذها، بعيداً عن تأثير كبار السن من الوالدين أو الأقارب أو الأصدقاء. وعندما يكبر هؤلاء، يدركون جيداً بأنه ليست هناك علاقة بين الرجولة والتدخين، أو بين الاستقلالية وهذه العادة السلبية، التي لو اطلع على مخاطرها هؤلاء جميعاً قبل ممارسة التدخين لابتعدوا عنها وإلى الأبد.
كما أنه لو أدرك قطاع من النساء المدخنات، بأن عملية التدخين ليست مظهراً اجتماعياً راقياً يميزهن عن نساء الطبقات الفقيرة، بل هو تدمير لصحتهن وصحة فلذات أكبادهن حالياً أو مستقبلاً، لأقلعن فوراً عنها بلا شك.
وإذا انتقلنا الى انتشار هذه الظاهرة الخبيثة بين قطاع ليس بالبسيط من الطلبة في المدارس والمعاهد والجامعات، لوجدنا أنها تعود بالدرجة الأساس (إضافة الى الأسباب سالفة الذكر) الى محاكاة رفاق السن الذين يدعون أو حتى يتفاخرون عن جهلٍ، بأن مثل هذه الظاهرة تخفف من متاعب الدراسة وأعبائها الثقيلة، وتشعرهم بالارتياح والهدوء أحياناً، بعيداً عن مطالبها المتزايدة.
كما أنهم في الوقت ذاته، يشجعون زملاءهم الآخرين على ممارسة عادة التدخين، لأنها تمثل من وجهة نظرهم إحدى مظاهر الثورة الحقيقية على العادات والتقاليد والأوامر والنواهي، التي يعتقدون بأنهم يعيشون في ظلالها، سواء على مستوى الأسرة الواحدة أو على مستوى المجتمع بأسره. وما عليهم في هذه الحالة، إلا أن يشعروا بالحرية أو الاستقلالية في اتخاذ ما يرونه من قرارات، وهم بذلك لا يدركون بعد بأن الناس لا يمكنهم العيش بدون أنظمة وقوانين مرعية، وبدون عادات وتقاليد وأعراف صالحة متوارثة ثبت نجاحها بالتجربة الطويلة، وتعمل جميعها على تنظيم حياتهم وطرق تعاملهم مع بعضهم بعضا، حتى يتميزوا بها عن حياة الفوضى واللامبالاة والعشوائية والارتجالية في التصرفات والأعمال، والتي بدورها لا تضر بالصحة الفردية فحسب، وإنما تتعداها إلى الضرر المجتمعي الواسع، الذي يستدعي من الأفراد والجماعات والمؤسسات العامة والخاصة، أن تسرع في دق ناقوس الخطر لحماية الأجيال المتعلمة الصاعدة، التي تمثل مستقبل البلاد والعباد، ليس من ناحية الصحة الجسدية فقط، وليس من الجوانب المالية فحسب، بل ومن النواحي الإنتاجية الفعلية قبل هذا وذاك.
المقالة الصحفية الثامنة
(صحيفة الدستور الأردنية)
عنوان المقالة:
مخاطر التدخين في المؤسسات التعليمية
تاريخ النشر في صحيفة الغد الأردنية: الأربعاء 13 – 6 – 2018.
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
يمثل انتشار ظاهرة التدخين بين طلبة المدارس بالذات، خطورة وطنية وقومية جسيمة، لأنها لا تمس حاضر أبناء الأجيال الحالية ومستقبلهم فحسب، بل وسيكون أيضاً لها الأثر السلبي الكبير على بناء المجتمع وتطوره. فإذا ما شاعت ظاهرة التدخين بين طلبة العلم خاصةً، فإن آثارها السلبية تعم بشكل واسع على العائلات التي انطلقوا منها، لا سيما إذا علمنا بأنهم يمثلون في الغالب نسبة الثلث في الدول التي ينتشر فيها التعليم بكثرة كالعديد من الأقطار العربية وما بين 60 % و70 % من ذوي الأعمار الفتية في المجتمع، مما يؤكد الحقيقة القائلة إن تعرض صحة هذه النسبة العالية من أفراد المجتمع الى الخطر يصبح شبه حتمي على المديين القصير والبعيد، بحيث لا يمكن الهروب منها، مما يؤثر سلباً على فعالية الإنتاج ويضعف بالتالي من كميته ونوعيته، ويجعل المجتمع في الغالب عاجزاً عن تحقيق متطلباته الأساسية، ومعتمداً على الشعوب والأمم الأخرى في تلبيتها، وما يترتب على ذلك من خطورة الوقوع تحت رحمة الآخرين في العيش ومطالبه المتنوعة.
وإذا أصبحت ظاهرة التدخين عادة شائعة بين فئة من طلبة المدارس والمعاهد والجامعات، فإنهم يحاولون إخفاء ممارسة هذه العادة عن الآخرين من المسؤولين وأولياء الأمور، وذلك خوفاً من ردود الفعل العنيفة أحياناً من جانبهم، مما يزيد من عدد الخلوات الفردية أو الجماعية وطول فتراتها الزمنية وضياع الوقت بعيداً عن الأنظار، من أجل اللقـاء برفاق السن وممارسة عادة التدخين الضارة. وغالباً ما يلجأ هؤلاء الطلبة الى الكذب والتحايل وخلق الأعذار الواهية من أجل القيام بزيارة زملائهم بحجة الدراسة معهم أو اللعب برفقتهم أو الاطمئنان على صحتهم، مما سيؤدي الى ظهور عادات سلبية جديدة تؤثر في سلوكهم وتصرفاتهم مستقبلاً من جهة، ويعملون على ضياع الوقت الذي ينبغي أن يتم تخصيصه للدراسة والبحث والقيام بالأعمال والمناشط النافعة للفرد والمجتمع على حد سواء من جهة ثانية.
وتزداد النتائج السلبية التربوية بانتشار ظاهرة التدخين بين الطلبة؛ حيث يندر قيام هؤلاء بواجباتهم الدراسية المطلوبة حسب المستوى المنشود. فبدلاً من ذلك، يلجأ قطاع لا بأس به منهم الى الغش أو الاعتماد على الآخرين، مستخدمين في ذلك وسائل الترغيب والترهيب المختلفة مع زملائهم المتفوقين، الذين يطالبونهم بالقيام بدلاً منهم بالواجبات المدرسية البيتية أو تسليمها لهم لنقلها من دون عناء تفكير. ومع ذلك، فسوف يتم في نهاية المطاف الكشف عن أوضاعهم الحقيقية ومستوياتهم الواقعية، مهما حاولوا التستر عليها، وإذا ما حاول المعلمون توجيههم وإرشادهم الى ضرورة القيام بتلك الواجبات، فإنهم يتخذون في الغالب موقفاً سلبياً يتمثل في عدم التعاون معهم، والاشمئزاز من المقررات الدراسية التي يعلمونهم إياها، بل ويكرهون المدرسة أحياناً ويفكرون في تركها جدياً، مما قد يرفع من نسبة المتسربين منها في أوقات مبكرة وقبيل إنهاء فترة التعليم الأساسي الإلزامية، مما يزيد من عدد غير المثقفين في المجتمع.
كذلك توجد آثار تربوية سيئة أخرى على الطلبة المدخنين، تتمثل في ضعف قيامهم بالأنشطة الرياضية المطلوبة في المؤسسات التربوية المختلفة، وذلك نظراً للآثار الصحية السلبية التي تتركها عملية التدخين عليهم حاضراً ومستقبلاً. فلو تصورنا مثلاً أن شخصاً ما بدأ بممارسة عادة التدخين وهو في سن الخامسة عشرة، واستمر طيلة حياته التي ربما امتدت حتى الخامسة والستين، فيكون بالتالي قد مارس ظاهرة التدخين الضارة لمدة نصف قرن كامل، أكلت الأخضر واليابس من عمره وماله. فالمال ليس بكثرته بل بمجالات إنفاقه، والعمر ليس بطوله بل بفترات الصحة والعافية التي يمضيها الفرد مسروراً من هذه الناحية، ذلك العمر الذي قد يعيشه من يمارس عادة التدخين وبخاصة في الثلث الأخير منه طريح الفراش ومتنقلاً بين البيت وعيادات الأطباء والمستشفيات.
والأخطر من هذا كله، هو انتقال من يمارس عادة التدخين من فئة الشباب والمراهقين، الى ممارسة عادات أخرى أشد فتكاً بالصحة وتدميراً للمجتمع بمصادره المادية والبشرية، فقد يفكر من تحلو له هذه العادة الضارة أن ينتقل عن طريق رفاق السوء الى تعاطي الكحول ومن ثم تعاطي المخدارت، مما يفتح الباب على مصراعيه لمشكلات أكثر خطورة على الفرد والعائلة والمجتمع، فقد تبين من البحوث العديدة التي أُجريت والمقابلات الكثيرة التي تمت مع متعاطي المخدرات والكحول، أنهم تناولوها بعد أن مروا بخبرة التدخين أولاً.
ورغم أن انتشار ظاهرة التدخين بين طلبة المدارس والمعاهد والجامعات العربية تبقى في الغالب أقل نسبياً مما هي عليه في الدول الأخرى شرقاً وغرباً، إلا أن آثارها المختلفة والضارة جسمياً واقتصادياً وتربوياً، تمثل أمانة في أعناق الأطباء والمتخصصين في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، بالإضافة إلى أولياء الأمور والمسؤولين في وسائل الإعلام، حتى يتعاون الجميع من أجل التصدي لهذه الظاهرة المؤذية، ومحاولة منع استمرار انتشارها أو التخفيف من حدتها الى أقصى درجة ممكنة. أما عن المقترحات التربوية الملائمة لظاهرة التدخين الضارة، فسوف تكون محور مقالة أخرى بإذن الله تعالى.
المقالة الصحفية التاسعة
عنوان المقالة:
مقترحات للحد من ظاهرة التدخين بين الطلبة
http://www.alghad.com/articles/2381602
تاريخ النشر في صحيفة الغد الأردنية بتاريخ 1 – 8 – 2018.
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
لقد أوضحت في مقالتين سابقتين، أن تفشي ظاهرة التدخين بين طلبة المدارس والمعاهد والجامعات قد أدى إلى ظهور نتائج غير مرغوب فيها ليس على مستوى الفرد والعائلة فحسب، بل وعلى مستوى جهود أفراد المجتمع والمؤسسات العامة والخاصة كذلك. وحتى نضمن القضاء على الآثار السلبية المدمرة لهذه الظاهرة على طلبة اليوم ورجال الغد أو التخفيف من حدتها على الأقل، فإنه لا بد من طرح المقترحات والحلول والمناشط التربوية الآتية:
1- إقامة الندوات العلمية أو إلقاء المحاضرات الصحية في المدارس والمعاهد والجامعات، تدور حول ظاهرة التدخين ومضارها الجسمية والعقلية، وذلك من جانب بعض الأطباء المتخصصين، بالتنسيق الدقيق بين مديريات التربية والتعليم والمدارس من جهة، وبين الأقسام المهتمة بنشر الوعي الصحي والثقافة الصحية بوزارة الصحة من جهة ثانية.
2- قيام المدارس بترتيب زيارات طلابية خاصة إلى المستشفيات والمراكز الصحية القريبة منهم، من أجل الاطلاع بأنفسهم على حالة المصابين بأمراض ناجمة أصلاً عن ظاهرة التدخين، كأمراض القلب والسرطان بصفة خاصة، حتى يدركوا الآثار الجسمية الضارة التي تتركها عادة التدخين في جسم الإنسان.
3- دعوة عدد من المرشدين النفسيين المتخصصين من الجامعات الحكومية والخاصة ومن وزارة التربية والتعليم، لزيارة المدارس وإلقاء المحاضرات أو إقامة الندوات المشتركة مع الجهات ذات العلاقة، بحيث تدور حول الآثار النفسية والتربوية الضارة لظاهرة التدخين على الطلبة.
4- كتابة المقالات في الصحف المحلية من جانب الأطباء والمتخصصين في التربية وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الاقتصاد، والتربية الرياضية، بحيث تدور هذه المقالات حول الآثار السلبية لظاهرة التدخين على النواحي الصحية والتربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والبدنية الحركية.
5- إجراء بحوث ميدانية مشتركة تجمع بين أساتذة التربية وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد في وزارة التربية والتعليم والجامعات والكليات المحلية، وبين أطباء وزارة الصحة وأساتذة الطب المتخصصين في تلك الجامعات، من أجل دراسة الظاهرة من جميع جوانبها، وتحديد حجمها الحقيقي، ومقدار الضرر الاجتماعي والهدر المالي والصحي والتأخير الدراسي، وغيرها من الآثار السلبية التي تلحق بالمجتمع. ويمكن نشر نتائج هذه الدراسات في المجلات العلمية المتخصصة، مع التعليق عليها في الصحف المحلية الورقية والإلكترونية، حتى يعرف الجميع الثمن الباهظ الذي يدفعه المجتمع من صحة أفراده وقوت أبنائه.
6- تزويد وزارة التربية والتعليم لمدارسها بالرسوم واللوحات الملونة والمكبرة، التي يمكن إنتاجها بالتعاون ما بين قسم التثقيف الصحي بوزارة الصحة وبين مديرية الوسائل التعليمية بوزارة التربية والتعليم، والتي توضح الآثار الضارة لممارسة عادة التدخين، بحيث يتم وضع هذه اللوحات في الممرات الرئيسية للمدرسة حتى يشاهدها الطلبة كافة.
7- تشجيع المعلمين لطلبتهم، ولاسيما في مواضيع العلوم والتربية الرياضية واللغة العربية على تناول هذه الظاهرة عند كتابتهم البحوث البسيطة، وذلك حسب مستوياتهم وقدراتهم، وعند اختيار مواضيع التعبير اللغوية، وعند ذهابهم إلى المكتبة والتعامل مع المجلات والمراجع المختلفة، مع عرض ما يجمعونه شفوياً أمام زملائهم في الصفوف.
8- عمل كتيبات تربوية صحية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، وتدور حول العادات الضارة المختلفة ومن أهمها عادة التدخين، وتوزيعها مجاناً على الطلبة.
9- اهتمام مخططي المناهج المدرسية بظاهرة التدخين الضارة، بحيث يأخذونها في الحسبان عند تصميم الوحدات الدراسية لمادة العلوم ومادة التربية الرياضية، إذا لم يتمكنوا من وضعها ضمن مادة مستقلة تدور حول هذه الظاهرة المجتمعية الضارة والمتعلقة بالتدخين والكحول والمخدرات وغيرها من الأمور السلبية.
10- توزيع الأفلام وأشرطة الفيديو التي تتناول ظاهرة التدخين ومضارها على المدارس والمعاهد والجامعات لمشاهدتها من جانب الطلبة، كي تسهم في رفع مستوى الوعي لديهم من هذه الناحية، على أن تتولى هذه المهمة وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ووزارة الشباب.
11- توزيع وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة الصحة والجامعات المحلية بعض النشرات والإرشادات، التي تبين أهمية التمتع بالصحة والعافية في الأجسام والأنفس، والمخاطر المحدقة بها عند ممارسة عادة التدخين.
12- قيام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بدور إيجابي نشيط، من أجل محاربة ظاهرة التدخين وتوضيح مضارها العديدة، وذلك عن طريق عمل اللقاءات والمقابلات مع المتخصصين والمهتمين، لبيان مخاطر التدخين على الشباب حاضراً ومستقبلاً.
13- قيام المرشد النفسي والمرشد الصحي في المدرسة أو في مديرية التربية والتعليم، بعمل لقاءات فردية وجماعية مع الطلبة الذين يمارسون عادة التدخين، من أجل توجيههم نحو ترك هذه الظاهرة الضارة بعد توضيح آثارها السلبية.
14- تشجيع مديري المدارس ومديراتها للمعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات على عمل مجلات حائط ورقية أو إلكترونية صحية في المدارس، تركز على صحة الأبدان والعقول، مع التركيز على محاربة الظواهر السلبية الضارة بالصحة، وعلى رأسها ظاهرة التدخين.
15- قيام تعاون وثيق بين القائمين على العملية التعليمية التعلمية من أجل التعرف إلى جذور هذه الظاهرة، والوسائل المناسبة للتخلص منها، لأن مثل هذه المشكلة تحتاج إلى تضافر جهود إدارة المدرسة وأولياء الأمور بكل صبر وأناة وتكاتف.
16- تفعيل دور مجالس الآباء والمعلمين بالنسبة لهذه القضية بالذات، وذلك عن طريق مناقشتها بكل صراحة ووضوح، مع تأكيد ضرورة تعاون أولياء الأمور مع المعلمين وإدارة المدرسة، لعلاج تفشي هذه الظاهرة بين الطلبة، وذلك عن طريق إرشاد الأبناء وتوجيههم إلى مخاطرها، حتى لو كان بعض الآباء يمارسونها فعلاً، حيث عليهم التوضيح لأبنائهم بضرورة عدم تكرار الخطأ الذي وقع فيه آباؤهم من قبل.
17- التركيز من خلال الكلمات الصباحية في المدارس ومن وقت لآخر، على الجوانب السلبية لظاهرة التدخين وتأثيرها على صحة الأبدان والعقول والأنفس ونقص الأموال.
18- تشكيل لجان طلابية في المدارس المختلفة لمكافحة التدخين وتبيان مضاره، وذلك على غرار لجان الصحة والنظافة والرحلات والثقافة وغيرها، بحيث يكون هدفها جمع المقالات والصور من الصحف والمجلات وشبكة الانترنت والكتب، وعمل الأبحاث العلمية والعمل على إلقائها في الكلمات الصباحية أمام الطلبة.
19- قيام المرشد النفسي في كل مدرسة بدور فاعل عن طريق عقد اللقاءات المتتالية مع كل طالب يتعاطى التدخين، لمعرفة الظروف التي أحاطت بتعاطيه لهذه الظاهرة السلبية، مع وضع الحلول المناسبة للإقلاع عنها، بشرط ألا يكون المرشد نفسه من المدخنين.
20- توزيع إدارة المدرسة شهادات التقدير على الطلبة الذين يسهمون في حملات مكافحة التدخين والتوعية والصحية ضد العادات الضارة، وعلى رأسها عادة التدخين، حتى يكونوا القدوة لغيرهم بالابتعاد عن هذه الظاهرة غير المرغوبة.
21- أن يكون المعلمون كعادتهم القدوة والمثل الأعلى للطلاب، بإقلاعهم تماماً عن التدخين ومحاربتهم بإخلاص لهذه الظاهرة الخطيرة التي تقض مضاجع أبناء المجتمع كافة، وإذا كانت نسبة قليلة منهم ما تزال تمارس عادة التدخين، فلتحاول التخفيف منها أولاً عن طريق عدم التدخين أمام الطلاب مطلقاً، تمهيداً لترك هذه العادة وإلى الأبد.
وكلمة أخيرة يمكن قولها في هذا الصدد، وهي أن بيان الآثار الضارة للتدخين صحياً ومادياً كما في حصل في المقالتين السابقتين، ثم طرح الحلول التربوية المناسبة لها في هذه المقالة، يمكن أن يسهم في تصويب الأمور ووضعها في مسارها الصحيح، فيما يتعلق بصحة جيل الغد، الذي تقع عليه المسؤولية الكبرى لبناء الوطن والدفاع عنه والعمل على تطويره، من أجل اللحاق بركب الحضارة والعلم والتكنولوجيا المعاصرة، والذي يحتاج إلى صحة العقول المعتمدة بالدرجة الأساس على عافية الأبدان وخلوها من العلل والأمراض والأدران.
المقالة الصحفية العاشرة
نُشرت في صحيفة القدس الفلسطينية بتاريخ 25- 11 – 1999
التفكير الاستقرائي وتطبيقاته التربوية
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية الحادية عشرة
نُشرت في صحيفة القدس الفلسطينية بتاريخ 29- 11 – 1999
التفكير الاستنتاجي في ميدان التربية والتعليم
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية الثانية عشرة
نُشرت في صحيفة القدس الفلسطينية بتاريخ 29- 11 – 1999
من مهارات التفكير الناقد
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية الثالثة عشرة
نظرية المنهج المدرسي ومطالب القرن الجديد
نُشرت في صحيفة الدستور الأردنية بتاريخ 29- 12 – 1998
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية الرابعة عشرة
وهي عبارة عن قصيدة نُشرت في صحيفة الوطن العُمانية بتاريخ 23-4-2002
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية الخامسة عشرة
المنهج المدرسي وتحديات المستقبل
نشرت في صحيفة الدستور الأردنية بتاريخ 10- 12 – 1998
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية السادسة عشرة
تطوير نظرية المنهج المدرسي
لمطلع الألفية الثالثة
نُشرت في صحيفة القدس الفلسطينية بتاريخ 21 – 1 – 2000
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية السابعة عشرة
خطاب مفتوح إلى البرلمانيين العرب
نشرت في صحيفة الرأي الأردنية بتاريخ 27- 12 – 1998
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية الثامنة عشرة
خطوات مهمة للتفكير الإبداعي عند الطلبة
نشرت في صحيفة القدس الفلسطينية بتاريخ 30- 10 – 1999
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية التاسعة عشرة
ولا بد ” للسهم ” أن ينكسر
نشرت في صحيفة الرأي الأردنية بتاريخ 21- 12 – 1998
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية العشرون
ثلاث مهارات مهمة للتفكير الناقد
نشرت في صحيفة القدس الفلسطينية بتاريخ 4- 12 – 1999
بقلم: أ.د. جودت أحمد سعادة المساعيد
المقالة الصحفية الحادية والعشرون:
حل الطلبة للمشكلات بطريقة إبداعية
بقلم: أ.د. جودت أحمد المساعيد
رابط المقالة على شبكة الإنترنت:
يمكن تعريف أسلوب حل المشكلات إبداعياً على أنه يمثل تلك العملية العقلية التي تؤدي إلى إيجاد حلولٍ متميزة للمشكلات، وهو شكل من أشكال حل المشكلات الذي يظهر فيه الحل بطريقة مستقلة من جانب الطلبة، بدلاً من أن يتعلموه بمساعدة الآخرين. وتتلخص أهمية التطبيق الفعلي لهذا الأسلوب في النمو الحقيقي والسريع للأفكار، التي تدعو في العادة إلى التجديد والتميز في كل مجالات الحياة، حتى ما يتعلق منها بالمشكلات التي تواجههم، وتحديد كيفية التصدي لها بالعلم والإبداع. كما يعمل هذا الأسلوب على تخفيض التكاليف المادية، الذي أصبح مطلباً من مطالب الأفراد والجماعات، من أجل التصدي للمشكلات المستعصية بطريقة إبداعية، ويزيد أيضاً من الاهتمام بأنماط صنع القرارات السليمة والعاجلة، مما يتطلب الاستخدام السليم لأسلوب الحل الإبداعي للمشكلات، من أجل الوصول إلى قرارات تفيد الطلبة عند مواجهة المشكلات المختلفة. وفي ذات الوقت، يتم التركيز على العصف الذهني الذي يثيره الحل الإبداعي للمشكلات، والذي يحتم على المعلم تشجيع الطلبة على استخدام مهارة التفكير التشعيبي لتوليد الأفكار وتشعبها،كي يتم وضع أكبر عدد ممكن من الحلول الشافية للمشكلات المطروحة للنقاش.
وخلال تاريخ أسلوب حل المشكلات، حاول الكثير من العلماء وضع خرائط تنظيمية كي يتم اتباعها كمساراتٍ واضحةٍ تؤدي إلى نجاح عملية حل المشكلات. وكانت من أهم المحاولات الأولى ما قام به جون ديوي من قبل، عندما حدد الخطوات التي ينبغي السير بموجبها لحل المشكلة في كتابه المعروف:(كيف نفكر؟)، حيث طرح خطوات الشعور بالمشكلة وتحديدها، وصياغة الفرضيات، ثم اختبارها بالأدلة المختلفة، والوصول أخيراً إلى الحلول النهائية للمشكلة، والعمل على تطبيقها.
وعندما زاد الاهتمام بالإبداع والتفكير الإبداعي، طرح عدد من المهتمين بأسلوب حل المشكلات أفكاراً جديدة تدور حول الأسلوب الإبداعي لحل المشكلات Creative Problem Solving. وكان على رأس هؤلاء أوسبورن Osborn وبارنز Parnes اللذان بذلا جهوداً حثيثة لتوظيف كل من الإبداع والعصف الذهني في ميادين التربية وإدارة الأعمال، حيث المطلوب الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد إتباع عملية العصف الذهني العادية، لاختيار ما هو أكثر فائدة من نتائجها المتعددة. وتتلخص هذه الخطوات في خطوة إيجاد الأهداف، التي يقوم المعلم من خلالها بإدارة المناقشة مع الطلبة حول موقف من المواقف التي تهمهم أو قضية من القضايا التي تواجههم، ويعمل في الوقت ذاته على إثارة نوع من العصف الذهني لوضع قائمة من الأهداف العامة وأخرى من الأهداف التدريسية التي يسعى أسلوب حل المشكلات بطريقة إبداعية لتحقيقها بدقةٍ متناهية. وهنا يحرص وبأي طريقة يراها مناسبة للوصول إلى إجماع مع طلابه حول عدد قليل من الأهداف التي يحرصون على تحقيقها فعلاً في هذا الجهد الفكري الإبداعي.
أما الخطوة الثانية لهذا الأسلوب فتتمثل في إيجاد الحقائق، إذ يعمل المعلم في هذه المرحلة على تنفيذ نشاط عصفٍ ذهني مع طلابه لجمع الحقائق والمعلومات ذات العلاقة الوثيقة بالأهداف المتفق عليها مسبقاً معهم. كما يجب عليه أن يكون حريصاً على مشاركة كل طالبٍ في عملية جمع الحقائق، مع وضع قائمة منظمة بها. وفي نهاية هذه الخطوة، ينبغي على المعلم أن يتيح للطلبة بعض الوقت لطرح وجهات نظرهم حول أكثر المعلومات والحقائق التي تمّ تجميعها ولها علاقة بالأهداف المرسومة وأكثرها احتمالاً لحل المشكلة المطروحة بطريقةٍ إبداعية. وبعد ذلك تأتي خطوة إيجاد المشكلة، التي تعتبر أهم خطوات أسلوب حل المشكلات بطريقة إبداعية، وتتطلب وجود صياغة إبداعية لتحديد المشكلة، بحيث تكون أكثر قرباً من المشكلات الحقيقية وأكثر وضوحاً وجذباً للحلول المناسبة لها.
ومن بين أهم الوسائل لتحقيق ذلك، قيام نشاط عصفٍ ذهني يطرح فيه الطلبة صياغات مختلفة لتحديد المشكلة. وفي هذا الصدد، فإن معظم المتخصصين والمهتمين بحل المشكلات إبداعياً يوصون بضرورة كتابتها بالصياغة الآتية: (بأي طرق يمكن لنا أن نتناول المشكلة؟) و (لماذا ينبغي أن نتناولها؟ وكيف ينبغي علينا صياغتها؟ وأين ينبغي أن يتم ذلك؟ ولماذا؟. وفي نهاية المطاف يسمح للطلبة باختيار العبارة أو العبارات التي تكون أقرب ما يكون إلى التعبير عن مشكلة واقعية في الحياة اليومية.
أما عن الخطوة الرابعة فتتلخص في مرحلة إيجاد الفكرة، التي يتم فيها وضع قائمة من الأفكار التي قد تمثل حلولاً ناجعة للمشكلة التي تمَ تحديدها من قبل. وهي تعتبر خطوة العصف الذهني الأساسية. وكل جهد ينبغي بذله في هذه الخطوة لا بد له أن يؤدي إلى سيطرة نمط التفكير التشعيبي، مع كتابة كل فكرة تظهر نتيجة لذلك، مهما تبدو علاقتها الأولية بالمشكلة. وكم من الأفكار التي قد تبدو سخيفة للكثيرين في بداية الأمر، تستخدم كشرارة لأفكارٍ عظيمة، غالباً ما تؤدي إلى الحل الصحيح. وبعد أن يسيطر التفكير التشعيبي لإنتاج العديد من الأفكار على الوقت الأولي لهذه المرحلة، فإنه لا بد من إتاحة الفرصة الحقيقية للتفكير التجميعي، حيث تتم عملية تجميع الأفكار التي تمَ التوصل إليها، بحيث تستبعد تلك التي لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحل المشكلة إبداعياً.
ويتلو ذلك خطوة إيجاد الحل، ويتم فيها تقييم الأفكار الأساسية ذات العلاقة بالحل، حيث يقوم الطلبة بالتعاون مع معلمهم باختيار الفكرة أو مجموعة الأفكار التي ينبغي العمل عليها. ومن بين أكثر الطرق فعالية هنا طرح نشاط عصفٍ ذهني حول المعايير التي حددت أفضل الأفكار لحل المشكلة إبداعياً مثل التكاليف المادية وإمكانية التطبيق، والفائدة المرجوة من وراء ذلك، وغيرها من المعايير المختارة اختياراً نهائياً، على أن تستخدم هذه المعايير فيما بعد ضمن مصفوفة صناعة القرار، بحيث يتم تقييم كل فكرة من الأفكار النهائية، حتى يتم وضع الأكثر فاعلية منها للتطبيق الميداني الحقيقي.
وتأتي في النهاية مرحلة إيجاد القبول، حيث نجد أن الطلبة ومعهم معلميهم باعتبارهم أشخاصاَ يحلون المشكلات بطريقة إبداعية، يضعون أيديهم على مشكلات وقضايا العالم الحقيقية التي تؤدي عملية حلها بطريقة إبداعية إلى التطوير والتغيير نحو الأفضل، والانتقال من واقع قديم مؤلم لوجود المشكلة أو المعضلة، إلى واقع جديد يعيش الناس في ضوء تحدي وجودها وقبولها والعمل على حلها جذرياً. أما الأفكار التي تمَ تطويرها والوصول إليها في هذه المرحلة، فإنه يتم وضعها بطريقة تكاملية في خطة تؤدي إلى نجاح هذه المشكلة بأسلوب إبداعي متميز.
المقالة الصحفية الثانية والعشرون:
خصائص الطالب النشط الذي نريد
بقلم: أ.د. جودت أحمد المساعيد
رابط المقالة على شبكة الانترنت:
بقدر ما اهتم المربون بعملية التعلم النشط وخصائصها المختلفة، بقدر ما أفردوا اهتماماً آخر إلى الطالب النشط في المدارس والمعاهد والجامعات وإلى صفاته المرغوب فيها، وذلك حتى يستطيع كل طالبٍ من هذه الفئة اعتبارها معايير أساسية يقيس نفسه بما يقوم به من أنشطةٍ تعلميةٍ ناجحة. وتتمثل أهم خصائص الطالب النشط، في كونه منتظماً في حضور الحصص والفعاليات والمناشط المختلفة، بحيث يأتي في الوقت المحدد لها جميعاً، وإذا ما اضطر للغياب، فإنه يجد من الواجب عليه أن يُخبر المعلم بذلك، ويكون عذره عن الغياب شرعياً ومقبولاً. وفي الوقت ذاته، فإنه يشعر تماماً بالمسؤولية الشخصية في الإلمام بما تم من شروح أو توضيحات أو مناقشات داخل الحجرة الدراسية، وما تمت تغطيته فعلاً من مادةٍ دراسيةٍ، وما تم تعيينه من واجبات منزلية أو القيام بمشاريع بحثية نتيجة غيابه طيلة ذلك اليوم.
ويحاول الطالب النشط أيضاً استغلال أية فرصة تلوح أمامه من جانب المعلم أو الزملاء من الطلبة الآخرين، وذلك للقيام بالتعلم أو الخبرة المباشرة الهادفة. فما أن يعلم بوجود مجالٍ للتعلم هنا وهناك حتى يسرع للاستفادة منه، في الوقت الذي ينبغي له أن يهتم بالدرجات أو التقارير أو أساليب التقويم التي يحصل عليها أو يمر بها أسبوعياً أو شهرياً، ويسعى جاهداً لتحسينها نحو الأفضل. كما أن عليه القيام بأداء الواجبات الاختيارية التي يسعى الآخرون لإهمال جانبٍ منها في أحايين كثيرة.
ويشارك الطالب النشط كذلك بفعاليةٍ كبيرةٍ في المناقشات داخل الحجرة الصفية، فحتى لو أن مشاركاته الأولية في المناقشات كانت مع زملائه الآخرين ومع المعلم، فإن أسلوب التعلم النشط يعمل على الاستفادة مما يدور وما يطرحه بقية الطلبة النشطين من أسئلةٍ وأفكارٍ وآراء ومقترحات، يقوم بأخذ زمام المبادرة في مرات تالية للرد على تلك الأسئلة، والتعليق على ما يقوله الزملاء، ويتفق معهم تارةً، ويختلف تارةً أخرى، ويستفسر، ويضيف، ويُعلق، ويطرح الأفكار أو يلخصها شفوياً، ضمن مناقشةٍ فاعلةٍ.
كما يتصف الطالب النشط بتسليم الواجبات أو مشاريع البحوث بشكلٍ نظيفٍ ودقيقٍ ومرتب، حيث يبذل الوقت الكافي لإخراج الواجبات المنزلية أو المشاريع البحثية أو التقارير المكتوبة بشكلٍ دقيقٍ وأنيقٍ، من أجل أن يُعطي الانطباع عن مدى الاهتمام ليس في الدقة فحسب، بل وفي الترتيب والنظام والإخراج أيضاً، إلى درجة أنه يشعر بالفخر لما يقدمه أو يعمل على إنتاجه من أنشطةٍ علميةٍ وبحثيةٍ مكتوبة. ويكون المتعلم النشط كذلك منتبهاً لما يدور من فعالياتٍ داخل غرفة الصف، بحيث إذا كان هناك توضيح من جانب المعلم، أو تقرير شفوي من جانب أحد زملائه، فإن انتباهه يكون منصباً لما يدور وما يقال، وإذا ما دارت عملية الحوار بين اثنين من الطلبة أو بين المعلم وواحد من طلابه، فهو لا ينظر خارج شبابيك الحجرة الدراسية مثلاً، ولا ينشغل بالقراءة الإضافية، أو يعمل على فتح مجلةٍ ما، أو يتعامل مع الحاسوب، أو يقوم بمخاطبة الآخرين عبر شبكة التواصل الاجتماعي، أو الحديث الجانبي مع أحد زملائه، وإنما يُعطي اهتماماً كبيراً لما يتم قوله أو فعله، حتى يفهم بعمقٍ قبل أن يطرح سؤالاً، ثم يناقش بعد هذا كله عن وعيٍ وإلمام ٍ كبيرين.
وإذا كان الطالب النشط يحرص على أن يُنهي جميع الواجبات المطلوبة منه في الوقت المحدد، وذلك حتى يوصف بأنه متميز وفعال، فإن عليه أن يتم الواجبات أو المهام التي توكل إليه داخل غرفة الصف، وتلك الواجبات أو المهام المفروض أن ينجزها خارج المدرسة وفي البيئة المحلية، أو تلك الواجبات المنزلية التي تُطلبُ منه. كما أن الطالب النشط هو من يقوم بتحمل مسؤولية تعليم نفسه بنفسه، إذ أننا في عالم اليوم الذي يتم فيه إنتاج ملايين الكتب والمقالات والأبحاث واللقاءات والندوات والدورات والمؤتمرات العلمية في مختلف مصادر المعرفة وميادينها شهرياً في قارات العالم الخمس،فإنه يصبح من الصعب على المعلم الإلمام بكل ذلك مهما كان مجال تخصصه، مما يجد الطالب أنه من الواجب عليه أن يتحمل المسؤولية الأولى في تعليم نفسه بنفسه، والتعامل مع معظم مصادر المعرفة والمعلومات بحيويةٍ وكفاءةِ عاليتين، حتى يكتشف الكثير بنفسه، ويبني على خبراته التعلمية السابقة خبراتٍ أخرى جديدة. ومع ذلك، فإن دور المعلم يبقى مهماً للغاية، حيث ينبغي عليه أن يتيح الفرص الكثيرة للطالب النشط كي يتعلم، على أن يقوم المعلم بتوجيهه وإرشاده.
ويفضل الطالب النشط دائماً أن يعمل على تطبيق مبدأ التعلم بالعمل Learning by Doing، حيث لا يكتفي بالقراءة والكتابة فحسب، بل يرغب أيضاً في المناقشة مع المعلم، أو مع زملائه، أو مع الوالدين، أو مع أبناء المجتمع المحلي. كما أنه يميل في الغالب إلى تطبيق ما يتم فهمه أو ممارسته على أرض الواقع، حتى يمر بخبرةٍ تعلميةٍ واقعيةٍ يصعب عليه نسيان التعلم من خلالها، بل ويشجع غيره على ربط التعلم بالعمل، وهو ما نادى به المربي الإسلامي المعروف الغزالي قديماً، وركز عليه المربي الأمريكي المشهور جون ديوي John Dewey في بدايات القرن العشرين.
ويميل الطالب النشط إلى أن يتعلم عن طريق التفكير، حيث لا يكتفي بما يسمع من المعلم أو من الآخرين داخل الحجرة الدراسية أو خارجها، ولا يقبل الآراء أو الأفكار على علاتها، بل دائماً يقول: دعنا نفكر جيداً في الأمر، إذ يأخذ بالتفكير العميق في جوانب القضية أو المسألة أو المشكلة أو الموضوع أو الرأي أو الفكرة، طارحاً عدة أسئلة عن طبيعة الشيء لنفسه أولاً، ثم يلجأ إلى زملائه أو إلى المعلم فيما بعد، في ضوء التفكير العميق، كي يصل إلى قناعةٍ عن الأمر في نهاية المطاف.
ويشعر المتعلم النشط بالارتياح من خلال العمل الجماعي، فرغم أنه يدرك المسؤولية الملقاة على عاتقه كي يتعلم بمفرده تحت إشراف معلمه، إلا أنه يجد متعة وارتياحاً في العمل مع الآخرين في مشاريع جماعيةٍ بحثيةٍ أو فنيةٍ أو مهنيةٍ أو رياضية، لأنه يستفيد من آراء الآخرين، فيسمع منهم، ويطرح ما عنده، فتتلاقح الأفكار معاً، ويخرج بنتيجةٍ أو رؤيا أفضل مما كان لديه من قبل. وفي نهاية المطاف، تبقى مسؤولية المعلم كبيرة، حيث ينبغي عليه توفير فرص التعلم الكثيرة للطلبة النشطاء من خلال المجموعات، سواء داخل الحجرة الدراسية عند الرغبة في مناقشة موضوع والوصول إلى استنتاجات معينة، أو عند القيام بإجراء بحوثٍ جماعيةٍ داخل المدرسة أو خارجها، مع تشجيعه المتواصل للطلبة على ذلك.
المقالة الصحفية الثالثة والعشرون:
العصف الذهني للطلبة: عوامل النجاح وخطوات التطبيق
بقلم: أ.د. جودت أحمد المساعيد
رابط المقالة على شبكة الانترنت:
طرح العلماء تعريفاتٍ للعصف الذهني على أنه ذلك الأسلوب الذي يزيد من قدرة الطالب على توليد الأفكار. ويتلخص الهدف الأساس له في تشجيع المعلمين والطلبة للعمل معاً في مجموعاتٍ من أجل تحديد المشكلة وإيجاد أفضل القرارات الملائمة لحلها من خلال المشاركة الفاعلة. أما عن الفائدة المتوخاة من تطبيقه فتتلخص في استطاعة كل فرد الحصول على فهمٍ أفضل لتلك القضية، وتكوين شعورٍ لديهم بأنهم يشتركون جميعاً في ملكيتهم للنتائج التي توصلوا إليها.
ويتطلب نجاح أسلوب العصف الذهني توفر أمورٍ مهمةٍ، يأتي على رأسها وجود مشكلةٍ محددةٍ من أجل العمل على حلها، ووجود مجموعة من الطلبة الراغبين في العمل كفريق، بحيث يتراوح عددهم بين ( 5- 10) من الأفراد، وتوفر لوحةً سبوريةً كبيرةً، أو لوحةً الكترونيةً مناسبةً تتم الكتابة عليها عن طريق الحاسوب، ومن السهولة بمكان رؤية ما يكتب عليها بخطٍ كبير من بعيد، هذا بالإضافة إلى الأقلام الخاصة لاستخدامها مع اللوحة السبورية بألوانٍ مختلفةٍ إذا لم تتوفر اللوحة الالكترونية.
ويظل من الضرورة وجود معلمٍ له خبرةٍ كافيةٍ لاستخلاص الاقتراحات أو الأفكار أو الحلول من مناقشات الطلبة وتفاعلاتهم المثيرة للتفكير حول مشكلةٍ معينةٍ، دون أن يفرض آراءهُ أو أفكارهُ عليهم، في الوقت الذي يستخدم فيه بفاعلية كبيرة مهارات القيادة في إدارة النقاش، من أجل الوصول إلى الأهداف الرئيسة من إجراء عملية العصف الذهني ذاتها.
أما عن القواعد الأساسية التي ينبغي مراعاتها لتطبيق أسلوب العصف الذهني، فتتمثل في ضرورة إدارة المعلم لحلقات النقاش الخاصة بتطبيق أسلوب العصف الذهني، والطلب من التلاميذ المشتركين فيها تقديم الأفكار المناسبة، مع الأخذ في الحسبان ألا يفرض عليهم ما يعتقدون بأنه الأصوب أو الأكثر ملاءمة للمشكلة، والإيمان بأنه لا يوجد جواب خاطئ خلال عملية العصف الذهني، وتحديد وقتٍ للنشاط من أجل عملية التنظيم، وضرورة عدم رفض أي اقتراحٍ من البداية على أنه غير ملائم، إلا بعد مناقشته والوصول إلى قرار جماعي بشأنه، وكأن الهدف من ذلك كله هو الحصول على أكبر عددٍ ممكن من أفكار الطلبة في أقصر وقتٍ ممكن، وضرورة تسجيل جميع المقترحات على السبورة العادية أو الالكترونية حتى الاقتراحات الغريبة أو المضحكة منها، وذلك من أجل أن تخضع للتفكير العميق فيما بعد، وضرورة مشاركة أفراد المجموعات بشكلٍ دوري، بحيث يتم طرح فكرةٍ واحدةٍ في كل دورٍ من هذه الأدوار.
وتبقى خطوات تطبيق أسلوب العصف الذهني غايةً في الأهمية، والتي تتلخص في تحديد طريقة الجلوس، وبيان القواعد المطلوبة، والاهتمام بعملية الإحماء، تلك الجلسة التي يجب أن تكون على شكل دائرة، ثم توضيح المعلم للمجموعة أو المجموعات المشتركة لتلك الأسباب الموجبة لتنفيذ ذلك الأسلوب، مع طرح القواعد والقوانين المفروض احترامها، والخطوات الواجب إتباعها. وقد يستخدم المعلم الناجح فترة قصيرة من الزمن لا تزيد عن خمس دقائق كعملية إحماء للطلبة، وذلك قبل الدخول في النقاش المثير للتفكير، بحيث يتم فيها طرح بعض المعيقات التي تحول أحياناً دون تطبيق العصف الذهني الفعال. ومن الضروري أن يختار المعلم قائداً لكل مجموعة، ومسجلاً لما يتم الاتفاق عليه من أفكارٍ أو حلول، وقد يكون شخصاً واحداً يقوم بالوظيفتين ويسمى مقرراً عاماً للمجموعة.
وتأتي ثانياً خطوة تحديد المشكلة التي يدور حولها نشاط العصف الذهني، ويكون ذلك عن طريق طلب المعلم الفعال من التلاميذ طرح مجموعةٍ من المقترحات التي تشير إلى أكثر المشكلات أهمية بالنسبة لهم كي يتم حلها، مع مراعاة عدم السماح لأي طالب بانتقاد أو رفض أي مقترح لأية مشكلة من أي طالب في هذه المرحلة، على أن يقوم المعلم بكتابة جميع المشكلات المقترحة على السبورة أو على اللوحة الالكترونية. ويعمل المعلم فيما بعد على تجميع المشكلات المتشابهة أو ذات العلاقة، ضمن مجموعةٍ صغيرةٍ واحدةٍ أو حتى ضمن مشكلةٍ واحدةٍ، على أن يعقب ذلك إعادة ترتيب هذه المشكلات أو إعادة تنظيمها حسب مبدأ الأولويات، بحيث تأتي الأكثر أهمية من وجهة نظر الطلبة أولاً، ثم المهمة ثانياً، ثم الأقل أهمية ثالثاً وأخيراً.
ويتم الانتقال إلى الخطوة الثالثة المتمثلة في العمل على استنباط الهدف العام من حل المشكلة، وذلك عن طريق الحديث عن حل المشكلة ذاتها، باعتباره الهدف المهم لنشاط العصف الذهني، ثم كتابة هذا الهدف على السبورة أو اللوحة الالكترونية، مع تذكير أفراد المجموعة بأنهم هم الذين حددوا ذلك الهدف العام، على أن يتبع ذلك تحديد الأهداف الخاصة للنشاط من جانب المعلم، بتوضيحه للفرق بين الهدف العام لنشاط العصف الذهني الذي يقومون به، والأهداف الخاصة التي سيعمل هو معهم على تحقيقها داخل الحجرة الدراسية، وفي الوقت المخصص للنشاط نفسه. وهنا يطلب المعلم من أفراد المجموعات اقتراح أهدافٍ خاصةٍ مهما كانت، ودون استثناء أي منها أو التهكم على أي طالبٍ اقترح أهدافاً غريبة عنها، على أن يتم تجميع الأهداف الخاصة ذات العلاقة في هدفٍ واحدٍ أو هدفين، ثم يعيد ترتيب الأهداف كلها حسب أولوية تحقيقها، مع تذكير أفراد المجموعات بأن الأهداف الخاصة جميعها، هم الذين عملوا على صياغتها الصياغة السليمة.
ويلي ذلك خطوة تحديد المصادر ذات العلاقة وصعوبات الحصول عليها، ويكون ذلك بطلب المعلم من أفراد المجموعات باقتراح المصادر المهمة، والمعيقات التي تقف أمام الحصول عليها، مع كتابة ذلك على السبورة من جانب المعلم، دون استبعادٍ لأيٍ منها، ثم تجميع المصادر ذات العلاقة وإعادة ترتيبها حسب أهميتها، والانتقال بعدها لخطوة تحديد الإستراتيجية الخاصة بتنفيذ نشاط العصف الذهني، بطلب المعلم من أفراد المجموعات المختلفة، تقديم اقتراحاتٍ حول الاستراتيجيات الملائمة لتطبيق النشاط، والوصول إلى حلولٍ للمشكلة المحددة، وكتابة جميع هذه المقترحات على السبورة دون أي استثناء، ثم تجميع تلك المتشابهة منها أو ذات العلاقة معاً، وترتيبها حسب أهميتها بالنسبة للطلبة، واختيار المعلم الإستراتيجية التي أجمع الطلبة على أنها الأكثر أهمية أو الأكثر ملاءمةً، على أن يتبع ذلك الخطوة الأخيرة المتمثلة في تلخيص قرارات المجموعات على السبورة، من حيث المشكلة التي اتفقوا على تحديدها، والهدف العام الذي أجمعوا عليه لنشاط العصف الذهني، والأهداف الخاصة التي اقترحوها للمعلم من أجل تحقيقها داخل الحجرة الصفية، والمصادر التعليمية التعلمية اللازمة لتحقيق الأهداف، والمعيقات التي قد تحول دون الوصول إليها، والإستراتيجية المختارة لتنفيذ أسلوب العصف الذهني المثير للتفكير.
المقالة الصحفية الرابعة والعشرون:
أسلوب الحوار الفعّال لتدريس الطلبة
بقلم: أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
رابط المقالة على شبكة الانترنت:
يعود الفضل في تطبيق هذا الأسلوب التدريسي الفعال إلى الفيلسوف اليوناني المعروف سقراط، فهو أول من أكد بقوةٍ على أن عملية التعليم لا يُقصد منها حشو أذهان الطلبة بالحقائق والبيانات والمعلومات المختلفة، بل تشجيعهم على استنباطها عن طريق الحوار الفعال معهم. فكان أسلوبه يتلخص في محاورته لطلابه، عن طريق طرح الأسئلة عليهم، واستدراجهم للإجابة عن الأسئلة المتلاحقة، إلى النقطة التي تتضح لديه جهل طلابه بها، من أجل دفعهم إلى البحث عن الحقيقة بأنفسهم، وذلك من خلال التأمل والتفكير والاستقصاء، لاستنتاج الأدلة والبراهين ذات العلاقة.
ويمكن تعريف أسلوب الحوار الفعال أو الحوار السقراطي، على أنه ذلك الأسلوب الذي يعتمد على طرح السؤال من جانب المعلم على أحد الطلبة فيما يخص موضوعاً معيناً، والإجابة عنه من طرف ذلك الطالب أولاً، والذي قد يطرح استفساراً توضيحياً بدوره على المعلم حول جانب من جوانب السؤال، ثم يعقبه المعلم بطرح سؤالٍ أو أسئلةٍ أخرى يجيب الطالب ذاته عنها، على أن يعززه المعلم بالثناء إذا ما أجاب بدقة، ثم يطرح المعلم أسئلة أخرى حتى يعجز الطالب عن الإجابة، فينتقل المعلم إلى طالبٍ آخر، في الوقت الذي يصغي فيه بقية الطلبة إيجابياً لما يدور، ويسمح المعلم لمن يريد منهم الإضافة أو التعليق على ما دار من حوارٍ بين المعلم وواحدٍ أو أكثر من الطلبة، على أن يتم استخدام الوسائل التعليمية المختلفة ذات العلاقة بموضوع الحوار.
ويمتاز أسلوب الحوار الفعال مع الطلبة في المدارس أو المعاهد أو الجامعات بالعديد من الخصائص التربوية والعلمية، يتمثل أهمها في وضوح الهدف لدى كلٍ من المعلم والطالب فيما يقومان به من طرح أسئلةٍ وتلقي إجابات، وعدم الاكتفاء بإجابةٍ واحدةٍ لسؤالٍ واحد، بل طرح المزيد من الأسئلة التي تعتمد في الأساس على إجابات الأسئلة سابقاً، مما يثير التفكير بشكلٍ مستمر لدى المتعلم ذاته، وعدم الاقتصار في طرح الأسئلة على المعلم، بل للطالب دور مهم في طرح بعض الأسئلة على المعلم خلال قيامه بالإجابة عن الأسئلة، وتشجيع المعلم للطالب على إجابة أكبر عددٍ ممكن من الأسئلة غير المتوقعة، والمعتمدة على إجابات أسئلة سابقة، والتأكد من الفهم العميق للطالب لجوانب الموضوع الذي يدور حوله الحوار، وتشجيع الطالب على التأكد من بعض الأمور أو النقاط عن طريق توجيه سؤالٍ أو أكثر للمعلم، وعدم الاكتفاء بدور المجيب لأسئلته المتنوعة، واشتمال هذا الأسلوب على إجراءات التشجيع المعنوية المختلفة للطالب من جانب المعلم، وذلك عن طريق استخدام كلمات المديح لإجابات الطالب الصحيحة، وتعرف المعلم على نقاط القوة وجوانب الضعف لدى الطالب، واكتساب الطلبة لمعارف ومعلومات أكثر عمقاً عن الموضوع الذي يدور حوله الحوار الفعال، واكتساب الطلبة لاتجاهاتٍ ومهاراتٍ مرغوب فيها مثل نمو الشخصية، والجرأة في الحديث، والإصغاء لأسئلة المعلم بشكلٍ دقيق، والعمل على طرح أسئلةٍ ذات علاقة بموضوع الحوار الفعال، وتنمية مهارات التحليل لدى الطلبة قبل الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها المعلم عليهم، ومراعاة الحوار الفعال للفروق الفردية بين الطلبة، وذلك من خلال تعامل المعلم مع كل طالب حسب مستواه وقدراته العقلية، والابتعاد عن الأسئلة السطحية البسيطة من جانب المعلم والطالب، من خلال طرح الأسئلة المتعاقبة والسابرة التي تهدف إلى التعمق في بعض النقاط أو الأفكار أو المعلومات أو القضايا، وملاءمة هذا الأسلوب لجميع المواد الدراسية بلا استثناء، ولمعظم الموضوعات الفرعية في وحداتها الدراسية، وسهولة تطبيق هذا الأسلوب في مختلف المدارس والجامعات والبيئات التعليمية والتعلمية العامة أو الخاصة، وفي الصفوف المكتظة أو قليلة الطلبة، علماً بأن فائدته تزداد في الصفوف ذات الأعداد القليلة والمتوسطة بالدرجة الأساس، وأن هذا الأسلوب لا يحتاج إلى عملية معقدة لتدريب المعلمين عليها، رغم تفاوتهم في القدرة على النجاح فيه، لأنه يتطلب عمقاً أكثر لدى المعلم من الناحية المعرفية من جهة، وإلى مهارةٍ عالية لديه في طرح الأسئلة من جهة ثانية.
وفي الوقت نفسه، هناك مجموعة من المبادئ الواجب مراعاتها عند تطبيق الحوار الفعال مع الطلبة، يتمثل أهمها في توخي البساطة في الحوار، بعيداً عن التعقيد والإجراءات الصعبة، وذلك لتشجيع الطلبة ليس على تقبل هذا الأسلوب كانطلاقةٍ مناسبةٍ فحسب، بل والعمل أيضاً على تطبيقه بحماسةٍ كبيرة، ثم تقصير مدة الحوار مع الطالب بحيث لا تزيد عن خمس دقائق، ومع عدد من الطلبة بحيث لا تتعدى العشرين دقيقة لهم جميعاً، واختيار التوقيت المناسب لتطبيق طريقة الحوار، كأن يلاحظ المعلم شعور الطلبة بالملل ويريد لهم التنويع في الأسلوب، أو رغبة منه في الكشف عن مدى التعمق لدى الطلبة في موضوعٍ من الموضوعات أو قضيةٍ من القضايا أو أمرٍ من الأمور، وعدم استهزاء المعلم بطريقة الطالب في الحوار إذا كانت غير دقيقة، بل اللجوء إلى عملية التصويب كي يستفيد الطلبة جميعاً من ذلك، ثم ضرورة إجراء المعلم للحوار مع أكبر عددٍ ممكنٍ من الطلبة خلال الحوار الفعال والمطول، بحيث لا يقتصر ذلك على طالبٍ واحدٍ أو عددٍ قليل من الطلبة، واستخدام المعلم لأسلوب الدعابة أو المرح الهادف خلال عملية الحوار، وذلك من أجل إثارة جو من المحبة والتآلف بين الطلبة، بدلا من الرهبة والخوف، واستخدام المعلم للوسائل التعليمية المتنوعة التي لا تحفز الطلبة على الحوار فحسب، بل وتساعدهم أيضاً على تحليل الأمور وطرح الأسئلة الأكثر عمقاً حول الموضوع الذي يدور حوله الحوار، وضرورة ضبط النظام داخل الحجرة الدراسية خلال عملية الحوار، حتى يفهم الطالب كل سؤال يُطرح من جانب المعلم، وحتى يتابع المعلم إجابات ذلك الطالب ويستمع إلى أسئلته، و حتى يدرك بقية الطلبة ما يُطرح من أفكار خلال الحوار ويعملوا على المشاركة فيه.
كما يعتبر أسلوب الحوار من أساليب التعلم والتعليم الفعالة التي تثير تفكيرالطلبة، وتساعد في الوقت ذاته على تنمية المهارات العقلية لديهم، وزيادة التحصيل الأكاديمي والاحتفاظ به أيضاً، وذلك من خلال عدة أمورٍ مهمةٍ مثل استخدام الأسئلة مع الإلقاء خلال تطبيق أسلوب الحوار، واختيار الموضوع المناسب فعلاً لهذا الأسلوب، واستخدام الوسائل التعليمية الهادفة أينما كان ذلك مفيداً، ومراجعة مادة الحواربشكلٍ دقيق، وذلك للتأكد من مدى ملاءمتها للطلبة من جهة وللحوار المستخدم من جهةٍ أخرى، وأخيراً تصويب الأخطاء التي تقع من وقتٍ لآخر من جانب الطلبة أولاً بأول. profjawdat@yahoo.com
المقالة الصحفية الخامسة والعشرون:
الخصائص المعرفية والأكاديمية للطلبة الموهوبين
أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
موقع المقالة على شبكة الانترنت:
تتمثل أهم الخصائص المعرفية للطلبة الموهوبين في سرعة استيعاب المفاهيم والتعميمات والعلاقات المعقدة بين الأشياء أو الأمور أو الموضوعات أو الأحداث. ومع أن الطلبة العاديين يتوصلون إلى تعميماتٍ خلال عملية التعلم، إلا أن الكثير من الطلبة الموهوبين يستطيعون التوصل إلى مثل هذه التعميمات بدرجة أسرع بكثير في ضوء قوة التركيز الواضحة والقدرات العقلية المتميزة.
وفي الوقت ذاته، نجد أن غالبية الطلبة الموهوبين يتمكنون بسرعة من فهم الرموز المجردة التي يتعلمونها وإدراك العلاقات المعقدة بين هذه الرموز. فهم يختلفون كثيراً عن بقية الطلبة في درجة التجرد التي يمتلكونها للمفاهيم والرموز التي يتعلمونها بسرعة فائقة، والغوص في أعماق العلاقات التي تربط بين هذه الرموز. فهم بصورة عامة يمتلكون ذاكرةً ممتازةً، ويتعلمون الحقائق ذات العلاقة بالمفاهيم المجردة مثل العدالة والديمقراطية والحق والإخلاص بسهولة وبسرعة أكثر من رفاقهم العاديين. كما أنهم يفهمون بعمق العلاقات المعقدة مثل التوازن والمساواة وتركيب الصور المفاهيمية والذهنية بدرجة أسرع من أقرانهم، حتى ممن يكبرونهم سناً. ومع ذلك، فإن كل هذه القدرات الفائقة لدى هؤلاء الطلبة قد تسبب لهم مشكلات عديدة مثل رفض طرق التدريس التقليدية المستخدمة، ومقاومة عملية مراعاة رفاق السن العاديين، وسيطرة الملل عليهم من السير البطيء في العملية التعليمية التعلمية.
ومن بين الخصائص المعرفية المقرونة بالطلبة الموهوبين صفة الإبداع. إلا أنه توجد مناقشات حامية بين بعض المربين حول ما إذا كان الإبداع يمثل خاصية فكرية أم لا. فقد أوضحت نتائج الاختبارات بأن الطلبة الذين حصلوا على درجات مرتفعة في اختبارات الذكاء قد حصلوا كذلك على درجات مرتفعة في مقاييس الإبداع. ومع ذلك، فإن الإبداع ليست صفة يتميز بها جميع الطلبة الموهوبين، كما أنه ليس جميع أولئك الذين يحصلون على درجاتٍ مرتفعةٍ في مقاييس الإبداع يمكن لهم أن يحصلوا على درجاتٍ عاليةٍ في اختبارات الذكاء.
فالمربون غالباً ما يميزون بين نمطين من أنماط التفكير هما: التفكير التشعيبي والتفكير التجميعي. فالطلبة الذين يحققون انجازات مرتفعة في كلمات وعبارات عديدة ومترابطة، ولديهم مرونة عالية، عن طريق طرح أفكارٍ متنوعة واقتراح حلولٍ مختلفة للمشكلات التي تواجههم، ويمتلكون أصالة واضحة عن طريق استخدام طرقٍ أو أفعالٍ نادرة، وكلماتٍ وتعبيراتٍ متميزة عن غيرهم، ولديهم بصيرةٍ نافذة، حيث يدركون حلولاً متنوعة للمشكلات في المستقبل المنظور وحتى البعيد، فإنهم يوصفون في الغالب بأن تفكيرهم من النوع التشعيبي. أما عن أولئك الطلبة الذين يحققون نتائج طيبة في مقاييس التفكير التجميعي، فلديهم قدرة عالية على التذكر والتفكير والتصنيف، ويثبتون قابليتهم العالية للتفوق في النواحي الأكاديمية المختلفة، ويميلون إلى الاستقلالية أحياناً ولغير الاستقلالية أحياناً أخرى.
وفي هذا الصدد فإن رينزولي Renzulli، قد طالب المعلمين والمديرين في مختلف المدارس، بأن يوسعوا مجالات تفكيرهم، وأن يدركوا المعلومات والحقائق والأفكار عن علم الموهبة، وأن يلتزموا بجانب التدريب والممارسة والتطبيق للأفكار المتعلقة بالموهبة، مع الإلمام بأن الموهوبين من الطلبة لديهم قدرة عالية من الذكاء والإبداع والالتزام بأداء الواجبات بمستوياتٍ عاليةٍ من الدقة والإتقان.
أما عن الخصائص الأكاديمية للموهوبين، فغالباً ما يحصل الطلبة الموهوبون على مستويات تحصيلٍ أكاديميةٍ عاليةٍ في مادةٍ دراسيةٍ واحدة أو أكثر، وأن إنجازهم الأكاديمي في الرياضيات والعلوم واللغات والدراسات الاجتماعية يبقى فوق المعدل، وأنهم يقعون ضمن نسبة ما بين 5-10% من أفضل الطلبة في هذه المجالات للمنهج المدرسي، وبخاصةٍ عندما تتم مقارنتهم بأقرانهم من ذوي الأعمار المتقاربة، وأنهم غالباً ما يبرهنون على وجود قدرات متميزة في الإبداع والفنون والبحث الميداني القائم على التصوير الفوتوغرافي.
ورغم ذلك، فإنه ليس جميع الموهوبين يؤدون أداءاً جيداً في المدرسة. فقدراتهم العقلية المتميزة تخلق لهم الكثير من المتاعب والمشكلات في العلاقات الشخصية مع الأقران، مما يجعلهم أحياناً يرفضون أن يكونوا مختلفين عن زملائهم ورغبتهم بأن يكونوا عاديين. فقد أشارت نتائج بعض الدراسات ظهور مشكلة انسحاب بعض هؤلاء الطلبة من المدرسة أو أنهم حصلوا على معدلاتٍ منخفضةٍ في المواد الدراسية المختلفة.
ومن جهة أخرى، فقد دارت مجادلات بين المربين مفادها أن الطلبة الموهوبين يميلون للانسحاب من المدرسة والانتقال إلى مدارس أخرى، وذلك لأن طرق التدريس المتبعة من جانب العديد من المعلمين والمنهج المطبق من جانبهم ليس فيه ما يثير التحدي لدى هؤلاء الطلبة. لذا، فليس لديهم أي نوع من الدافعية الحقيقية للحصول على نتائج أكاديمية مرتفعة، نتيجة التدريس السيئ من جانب العديد من المعلمين الذين لا يفهمون جيداً حاجات الطلبة الموهوبين وقدراتهم واهتماماتهم، مما يجعلهم دون المستوى في التحصيل الأكاديمي رغم خصائص الموهبة التي يتصفون بها.
وتبقى المعضلة قائمة بالفعل، وهي أن الطلبة في العادة لا يتم تحديدهم رسمياً كموهوبين وتقديم الخدمات الخاصة التي يحتاجونها حتى يحققوا إنجازاتٍ في التحصيل الأكاديمي، حيث يتفق القائمون على التربية والتعليم بأن الموهوبين هم الذين يحققون إنجازاتٍ رائعةٍ وفوق مستوى الصف من الناحية الأكاديمية، بالإضافة إلى الحصول على درجاتٍ مرتفعة في اختبارات الذكاء المتنوعة.
ومن جهة أخرى، فإن الطلبة الموهوبين لا يحققون درجاتٍ عاليةٍ في جميع المواد الدراسية التي يتضمنها المنهج، والتي قد تسبب مشكلاتٍ عندما يتوقع أولياء الأمور من أبنائهم تحقيق إنجازات مرتفعة في تحصيل المقررات كافة. فعلى سبيل المثال، نجد أن بعض الطلبة الموهوبين قد أظهروا تفوقاً كبيراً في مجالات فهم المعاني اللغوية وميدان الدراسات الاجتماعية وميدان العلوم، ولكن إنجازهم في مادة الرياضيات كان متواضعاً، وهو غير مقبول إجمالاً بالنسبة للموهوبين في مادة الرياضيات على سبيل المثال.
وقد تكون هذه النتائج مفهومة وواضحة لدى الكثير من المهتمين بعالم الموهبة. فقد يبدأ عدد كبير من الأطفال تعلم القراءة، معتمدين على أنفسهم مع القليل من المساعدة والإشراف من جانب المعلمين أو أولياء الأمور، وما أن يتعلموا المهارات الأساسية للقراءة بشكلٍ دقيق، نجدهم متميزون بقراءةٍ ذات مستوىً رفيعٍ جداً، والأمر ذاته قد ينطبق على مادة الرياضيات، حيث ما أن يتقن بعض الطلبة المهارات الأساسية في الرياضيات، حتى ينطلقوا بقوة نحو التميز والتفوق.
وقد قام المربي جلاجر Gallagher بطرح موضوعات عن هذه الحالات، حيث يرى بأنه ما أن يتم تعلم الطفل الموهوب لمهارات القراءة، فإنه لم تعد أمامه أية عوائق إضافيةٍ يحتاج إلى اجتيازها، ويبقى عليه التوسع في المعارف والمهارات الخاصة بالقراءة. فإنجازهم في اختبارات التحصيل المرتبطة بالقراءة لا تتطلب تعلم مهارات أخرى أصعب أو أعمق من ذلك.
ومع هذا، فإن التحصيل في مجال مادة الحساب يُقاس بقدرة التلميذ على التقدم من خلال مجموعةٍ محددةٍ جيداً من المهارات المعتمدة على بعضها وبشكلٍ هرمي. لذا، فإن الطفل الذي يدرس في الصف الثالث الأساسي، ولكي يحصل على علامة في الحساب مساوية في مستواها للصف السادس الأساسي، فإنه ليس بالضرورة أن يمتلك عمقاً في المعرفة لمادة الرياضيات للمستوى السادس، بل بحاجة إلى معرفة العملية الحسابية المطلوبة فقط مثل طرح الكسور العشرية أو القسمة الطويلة.
المقالة الصحفية السادسة والعشرون:
الخصائص الجسمية والسلوكية والاجتماعية للطلبة الموهوبين
أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
رابط المقالة على شبكة الإنترنت:
توجد مجموعة من الصفات أو الخصائص الجسمية والسلوكية والاجتماعية، التي يمتاز بها بشكلٍ واضح الطلبة من فئة الموهوبين والمتفوقين. فمن حيث الصفات الجسمية، أشارت نتائج الدراسات القديمة التي أجراها كلٌ من تيرمان وأودن (Terman & Oden)، إلى أن معدل النمو الجسمي للطلبة الموهوبين من بين الذين شملتهم الدراسة كانت أفضل من المتوسط العام لزملائهم الطلبة العاديين. ولكن رغم تشابه الطلبة الموهوبين في مظهرهم العام، إلا أن هناك تأثيراً لهذا المظهر على توقعات الناس وإدراكهم لها. فمثلاً، يؤكد الناس الموهوبون بصورةٍ عامة على الشكوى المرة التي يشعرون بها وهي أنه من الصعب أن تعيش عيشةً عاديةً حتى من الناحية الجسمية، وذلك عندما يتوقع منك الناس أن تنجز كل شيء بمستوىً رفيع للغاية، ولسبب بسيط يتمثل في أنهم ينجزون بعض الأشياء القليلة فقط بشكل متميز، وذلك بحجة أنك عبارة عن شخص موهوب أو متفوق ينبغي أن تحقق ما يعجز الكثيرون عن إنجازه أو القيام به.
ويجادل بعض الموهوبين الآخرين في أن معدل القدرات الجسمية والحركات والتمرينات البدنية والرياضية تظل أقل في مستواها رغم جودتها، وبخاصة إذا ما قورنت بمستوياتهم وقدراتهم المتميزة في المجالات الأخرى كالتميز المعرفي والأكاديمي، والتفكير العميق في الأمور والأشياء المجردة والمحسوسة معاً، والعمل على مقارنتها وتحليلها. وقد أوضح جلاجر Gallager أيضاً بأن الموهوبين من الطلبة دائماً مختلفين جسمياً، وضرب مثالاً على ذلك قائلاً: لو تم تخصيص ثلاثة ملايين من الطلبة ممن هم في سن الثانية عشرة من العُمر، والطلب منهم الوقوف على الطريق العام الواصل بين مدينتي نيويورك وشيكاغو والبالغ طولها أكثر من ألف كيلو متر، وإذا ما قام معلم بقيادة سيارته للمسافة ذاتها، لاستطاع أخذ صورة جيدة للغاية عن الخصائص الجسمية لهؤلاء الطلبة.
ولو افترضنا أن الطلبة الموهوبين من بين الثلاثة ملايين قد تم وضع ربطةٍ حمراء حول العنق لتمييزهم عن غيرهم، لكان بالإمكان التأكد فيما إذا كانوا جسمياً متشابهين تقريباً معهم أم لا. وإذا ما سأل أحد المهتمين بالموهبة والتفوق المعلم الذي قام بالرحلة ما بين المدينتين عن الخصائص الجسمية للطلبة الموهوبين والمتفوقين، فربما يجيب قائلاً: إن وزنهم أكثر قليلاً من رفاقهم الآخرين. ومع ذلك، فقد يجد المعلم نفسه بأن واحداً أو أكثر من الذين يلبسون ربطة حمراء من الطلبة هم نحيفي الجسم، ولا تنطبق عليهم الصفات الجسدية العامة للطلبة الموهوبين والمتفوقين.
أما عن الخصائص السلوكية لهذه الفئة المتميزة من الطلبة، فإن معظم المتخصصين والمهتمين بعلم الموهبة والتفوق يجادلون بقوةٍ على أنه ليس من المفيد الاهتمام بالخصائص أو القدرات الاجتماعية والعاطفية والتكيفية للطلبة الموهوبين، وذلك لسببٍ بسيطٍ للغاية يتمثل في أنهم يختلفون بشكلٍ كبير. ومع ذلك، فهناك بعض الأنماط السلوكية المعروفة للأطفال الموهوبين تتمثل في أنهم لا يرتبطون بعلاقاتٍ اجتماعيةٍ جيدةٍ مع أقرانهم من بقية الطلبة الموجودين معهم داخل الحجرة الدراسية. ويعتقد الكثير من الناس بأن معظم الطلبة الموهوبين يميلون إلى العزلة عن الآخرين، في حين أكدت دراسات ميدانية أخرى على أن نسبة لا بأس بها منهم لديهم شعبية على المستوى الاجتماعي ويستمتعون كثيراً بإقامة علاقاتٍ مع ذوي المستوى الاجتماعي الرفيع. ومع ذلك، فالكثير من المشكلات تظهر من وقتٍ لآخر في ضوء حاجاتهم واهتماماتهم وقدراتهم ذات السقف العالي.
فالطلبة الموهوبون لديهم حاجات اجتماعية وانفعالية متميزة عن غيرهم من الأقران، مما يتطلب الإلمام الدقيق بها من جانب المعلم الناجح، والعمل بإخلاصٍ على تحقيقها. وتحتاج المطالب الوجدانية والانفعالية لهؤلاء الطلبة بأن يتم تشجيعهم على تحقيق هذه المطالب من خلال إقامة علاقات متنوعة مع الأقران، ومن خلال التفاعل مع نماذج من الأشخاص الراشدين الذين يمثلون القدوة التي يمكن للموهوبين والمتفوقين الاستفادة منهم والتعلم من آرائهم وأفكارهم ووجهات نظرهم، وقبول قدراتهم ومطالبهم وحاجاتهم المتنوعة والمتغيرة من وقتٍ لآخر.
وعلى الموهوبين والمتفوقين أيضاً أن يتعلموا كيف يتقبلوا أدوارهم كمنتجين للمعرفة وللأعمال الإبداعية المتميزة، وأن عليهم أيضاً تطوير عادات البحث والاستقصاء باستمرار، مع التركيز على الاستقلالية فيهما. ومع ذلك، فإنه ليس من غير العادي على هؤلاء الطلبة الذين يواجهون التحديات مع معلميهم ومن الخبرات أو الأنشطة التعلمية المختلفة التي تم توفيرها لهم، بأن تكون لديهم إمكانية التكيف اجتماعياً وأن يحققوا توقعات أولياء أمورهم ومعلميهم في المجال الاجتماعي والسلوكي.
وفي الوقت ذاته، فإنه توجد بعض خصائص التواصل للطلبة الموهوبين مع الآخرين، حيث يميل الطلبة الموهوبون في الغالب إلى التواصل الممتاز مع أقرانهم من العمر نفسه. كما أنهم في الوقت نفسه يميلون إلى الترابط والتواصل مع الأطفال والراشدين الذين يتواصلون معهم بالمستوى ذاته. فتخيل مثلاً أنك تستمع إلى محادثة طلابية في المرحلة الثانوية حول قضايا اقتصادية عامة. وهنا، فإن المجموعات يمكن لها أن تتناول هذا الموضوع بعدة مستويات، حيث يمكن أن تتحدث إحدى المجموعات عن تكاليف الحياة، وفيما إذا كان بالإمكان توفير المال الكافي للعيش المناسب والمريح. وفي الوقت ذاته، فإن مجموعة أخرى يمكن لها أن تهتم بالسياسة الاقتصادية العامة السائدة ومناقشة الأساليب والوسائل التي تجعل قوانين العرض والطلب تؤثر على تكاليف الحياة اليومية، وعلى مدى توفير البضائع والخدمات، وغير ذلك من أمورٍ عديدة لها علاقة بحياة الناس وأنشطتهم المتنوعة.
ونظراً لأن الطلبة عموماً يبحثون عن مستويات خاصة بهم للتواصل مع الآخرين، فإن الموهوبين والمتفوقين من الطلبة غالباً ما يستمتعون كثيراً بالتحدث والمناقشة مع من هم أكبر منهم سناً، أكثر مما يتحدثون مع أقرانهم من ذوي العمر المتقارب. ومثل هذا التوجه لهؤلاء الطلبة سوف يؤثر على طبيعة الجو الاجتماعي السائد عند تشكيل المجموعات داخل الحجرة الدراسية. وعلى المعلمين أخذ ذلك بالحسبان جيداً، وذلك عند تشكيل مجموعات بين أكثر من صفٍ دراسي في المدرسة ذاتها، وذلك عن طريق وضع هؤلاء الطلبة الموهوبين والمتفوقين مع طلبة ومستويات دراسية أعلى وأعمارٍ أكبر منهم سناً، ولا سيما عند عقد الندوات أو تحديد اللقاءات أو إقامة حلقات البحث والنقاش حول قضية من القضايا أو مشكلة من المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو العلمية أو الثقافية المختلفة.
المقالة الصحفية السابعة والعشرون:
التسريع: أسلوب التعامل الأمثل مع الطلبة الموهوبين
أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
رابط المقالة على شبكة الإنترنت:
يمكن تعريف أسلوب التسريع الأكاديمي Academic Acceleration على أنه عملية السماح للطالب الموهوب بالتقدم عبر درجات السّلم التعليمي بسرعةٍ تتناسب بدرجةٍ كبيرة مع قدراته، دون اعتبارٍ للمحددات العمرية أو الزمنية المختلفة. وتتضمن عملية التسريع وضع الطالب الموهوب في موقفٍ يحتم عليه الالتزام الأدبي والأخلاقي للوصول إلى مستوياتٍ عليا من الإنجاز الأكاديمي المرغوب فيه، مما يتطلب من المعلم التخطيط الدقيق والتوثيق المتواصل لتحديد الأجزاء المتنوعة من المنهج المدرسي التي يتم فيها إظهار الطلبة الموهوبين لنقاط القوةٍ بدرجةٍ واضحة.
وتمثل عملية التسريع كأسلوب ترفيعٍ إلى صفوفٍ أعلى تمهيداً للدخول إلى المرحلة الثانوية وأحياناً الجامعية، ممارسةً إداريةً من جانب مدير المدرسة بالتعاون مع المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، أكثر من كونها ممارسةً تعليميةً من جانب المعلم داخل الحجرة الدراسية. ومع ذلك، فإنه يوجد العديد من الأساليب التي يمكن استخدامها لتطبيق عملية التسريع مع الطلبة الموهوبين ومن بينها تشجيعهم خلال عمل الواجبات داخل غرفة الصف، على أن يكملوا الأجزاء الأكثر صعوبة من هذه الواجبات أولاً ثم الانتقال إلى الأجزاء الأقل صعوبة، أو تشجيعهم على أخذ اختبارٍ قبلي يدور حول هذه الواجبات، وذلك من أجل الانتقال بسرعة إلى واجباتٍ أكثر صعوبة إذا ما اجتازوا ذلك الاختبار بنجاح.
وفي الوقت نفسه، ينبغي السماح لهذه الفئة من الطلبة بأن يكملوا تلك الواجبات على أفضل صورةٍ ممكنة وبأعلى المعايير والمستويات. وإذا أثبتوا إتقانهم للمهارات التي تمت ممارستها، فمن الضروري للمعلم تزويدهم بواجباتٍ أكثر صعوبة، بحيث تتطلب التعامل مع مواد وأنشطة تعلمية أكثر عمقاً. فعلى سبيل المثال، إذا اجتاز الطفل الموهوب امتحان التهجئة بالحصول على درجة 90% أو أكثر، فلا بد من السماح له بعدم عمل الأنشطة التي يقوم بها أقرانه من الأطفال العاديين، وأن يختار القيام بواحدٍ أو أكثر من الأنشطة البديلة مثل العمل مع طفل آخر اجتاز الاختبار القبلي من أجل إيجاد عشر كلماتٍ جديدة من كتابٍ آخر غير ذلك الذي قدموا فيه الواجب السابق، ثم دراسة هذه الكلمات سوياً، مع تقديم اختبارٍ متبادل بين هذين الطفلين في تهجئة الكلمات العشر الجديدة.
كما يمكن استخدام طريقة التهجئة للكلمات الجديدة بشكلٍ أسبوعيٍ، مع تركيب عباراتٍ قصيرةٍ تستعمل تلك الكلمات، وعمل أحجيةٍ على شكل مربعاتٍ لاستخدام الكلمات الجديدة، مع مفتاحٍ دقيقٍ للإجابة الصحيحة لتهجئة هذه الكلمات، واقتراح مجموعةٍ من التصنيفات أو الفئات، حيث يمكن للكلمات الجديدة أن تستخدم فيها، واقتراح مجموعةٍ من رسائل قصيرةٍ لبطاقات معايدةٍ باستخدام هذه الكلمات، واقتراح مجموعة جديدة من الكلمات للتهجئة، مع وضع مفتاح إجابةٍ دقيقٍ لها.
ومن الأساليب الأخرى لتطبيق عملية التسريع مع الطلبة الموهوبين، القيام بتطوير وحداتٍ دراسيةٍ أو استخدام مصادر تعليمية ذات بدايات متعددة أو أنشطة متنوعة. فمثل هذا الأمر يسمح للتلاميذ البدء بالعمل أو الاستمرار فيه وبمستوياتٍ مختلفة، وذلك تبعاً لقدراتهم وخبراتهم واهتماماتهم من جهة، وما تعلموه سابقاً في مواقف كثيرة من جهةٍ ثانية. وهنا، فإن نظام التعلم المبرمج الذي يتم تصميمه وطرحه من جانب شركاتٍ تجاريةٍ متخصصةٍ ومزودٍ بمواد تعليمية تعلمية متنوعة تمّ إعدادها من جانب أساتذة متخصصين، يصبح حلاً مناسباً بحيث يتم تقديمها للموهوبين ضمن أدوات قياسٍ تضعهم أمام مصادر تعلمية يستطيعون إتقان محتوياتها. ومثل هذه المواد تقدم أيضاً مهاراتٍ متعددةٍ ومجموعة أهدافٍ متنوعةٍ تم التحضير المسبق لها وبشكلٍ متتابعٍ من السهل إلى الصعب، ومن المعلوم إلى المجهول، ومن القريب إلى البعيد، ومن المادي إلى المجرد، ومن الكل إلى الجزء. كما يمكن أيضاً استخدام تقنية ما يسمى بالحقائب، حيث يختار التلاميذ ويكتشفون من خلالها أنشطةً ومصادر تعليمية تعلمية متنوعة تناسب اهتماماتهم والأهداف التي وضعوها نصب أعينهم، وتراعي كذلك الفروق الفردية بينهم. وفي هذه الحالات جميعاً، ينبغي على المعلم أن يسجل أولاً بأول ما عملوا على إتقانه من معارف ومهارات واتجاهات مرغوب فيها.
أما الأسلوب الثالث من أساليب تطبيق عملية التسريع، فتتمثل في استخدام اختباراتٍ متطورةٍ ومواد منهجيةٍ متعددة، حيث لابد للمعلم من الحصول على عيناتٍ من الكتب المدرسية المقررة والمواد المنهجية المتنوعة، وبمستوياتٍ متفاوتة تمثل التحدي المطلوب لقدرات الطلبة الموهوبين في مختلف المقررات والموضوعات الدراسية. ويلي بعد ذلك الأسلوب الرابع الذي يتلخص في تنمية جماعات الموهبة والتفوق داخل الحجرة الدراسية، حيث ينبغي على المعلم أن يبادر إلى تشجيع الطلبة الموهوبين على أن يكونوا “خبراء” أو “مستشارين” في مهارةٍ معينةٍ، أو مفهومٍ محدد، أو موضوعٍ ما، مع الطلب منهم عمل دليلٍ يوضح مجالات الخبرة لديهم، إضافة إلى عمل صندوق بريدٍ كبيرٍ واحدٍ، بحيث يتم تشجيع الطلبة الآخرين على وضع أسئلة فيها، تكون موجهة للخبراء والمستشارين من الطلبة الموهوبين أنفسهم. ويمكن في هذه الحالة تسجيل الأسئلة والأجوبة الخاصة بها إذا رغب الطلبة بذلك، ويمكن خلال الفسحة أو قبل مغادرة التلاميذ للمدرسة، أن يتم استدعاء الطلاب الخبراء لعرض الأسئلة عليهم، وأن يقوموا بالإجابة عنها لزملائهم داخل الحجرة الدراسية.
ويعتبر استخدام الملخصات المتعلقة بمحتوى المنهج المدرسي من أجل إتاحة الفرصة للخبرات التسريعية، الأسلوب الخامس من أساليب التسريع، ويكون ذلك عن طريق السماح للطلبة بشراء الوقت اللازم للأنشطة التسريعية عندما يثبتوا الكفاءة فيها. فمثلاً، إذا حصل الطالب على درجة 90% أو أكثر في امتحان الكتابة، فقد يستحق وقتاً إضافياً للعمل في مشروع كتابي مستقل. وإذا أثبت الطالب إتقاناً في الامتحان القبلي لمادة الرياضيات، فإنه يسمح له بشراء وقتٍ لحل مشكلات خاصة بامتحان مستوى متقدمٍ بهذه المادة. والحل الأمثل للملخصات المنهجية يتم عن طريق تحديد مهاراتٍ خاصة استطاع الطلبة من قبل إتقانها والسماح لهم بإتمام أنشطة أكثر صعوبة وعمقاً.
وقد اقترحت روجرز Rogers عدداً من خيارات التسريع المتنوعة على أنها الأكثر فائدة في مختلف المراحل العمرية. ففي المرحلة الأساسية اقترحت الدخول المبكر للطالب الموهوب، وتخطي بعض الصفوف الدراسية، وتكثيف المنهج، بينما اقترحت في المرحلة المتوسطة أو الإعدادية أو الأساسية العليا تخطي بعض الصفوف الدراسية، وتكثيف المقررات الدراسية، والتسجيل المتزامن لمواد دراسيةٍ في أكثر من صفٍ دراسي واحد، وتسريع محتوى المقررات، وتكثيف المنهج المدرسي ككل. أما في المرحلة الثانوية، فقد اقترحت التسجيل المتزامن للطالب بين المدرسة والجامعة، وتسريع محتوى المقررات الدراسية، والتخطي إلى صفوفٍ أعلى بعد تقديم الاختبارات المطلوبة، وتطبيق برنامج التلمذة، والدخول المبكر إلى الجامعة.
المقالة الصحفية الثامنة والعشرون:
مبررات الاهتمام بتربية الموهوبين والمتميزين
أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
رابط المقالة على شبكة الإنترنت:
لقد دافع المتخصصون في ميدان الموهبة والتفوق عن الاهتمام المطلوب بتربية الموهوبين والمتميزين بنقاطٍ غايةً في الأهمية، يتمثل أهمها في أن الطلبة من هذه الفئة يمثلون مصادر ذات قيمةٍ ماديةٍ ومعنويةٍ كبرى للمجتمع حاضراً ومستقبلاً، حيث تعتبر قدراتهم العقلية عالية الذكاء، مجالاً خصباً للاختراعات والاكتشافات والتطورات العلمية والفنية والتكنولوجية، مما يسهل كثيراً من حياة المواطنين في أيام الانفجار المعلوماتي الهائل، ويسهم في حل الكثير من المشكلات التي تواجه المجتمع المحلي الذي يعيش فيه هؤلاء الطلبة. كما تستحق فئة الطلبة الموهوبين والمتميزين معاملة خاصة، ما دام الطلبة المعاقين يجدون الرعاية والاهتمام منذ فترة طويلة، وتصرف على برامجهم الأموال الطائلة لأسبابٍ إجتماعيةٍ وإنسانية ومعرفية، رغم أنهم يمثلون نسبة أقل من نسبة الطلبة الموهوبين ويختلف المردود العائد من وراء هذه النفقات كثيراً جداً ما بين الطرفين.
ونظراً لسيطرة المقولة بأن الأطفال الموهوبين بحاجةٍ إلى بيئةٍ مثيرة وملائمة، فقد تمّ فتح النقاش بشكلٍ علني بين اتجاهين مختلفين للمهتمين في ميدان التربية والتعليم، حيث يرى الفريق الأول ضرورة وضع الموهوبين في صفوفٍ خاصةٍ بهم كي تتوفر لهم الفرص التعلمية الملائمة لقدراتهم العالية في التفكير والعمل والنشاط، فيما يطرح الفريق الثاني رأياً مغايراً يتمثل في الحاجة الماسة لبقاء هذه الفئة المتميزة مع أقرانهم العاديين وبطيئي التعلم، حتى يستفيدوا من آرائهم وأفكارهم وأنشطتهم المختلفة.
كل هذا يستوجب زيادة الاهتمام بالموهوبين وبرامجهم، سواء كانوا مع العاديين أو ضمن صفوفٍ دراسيةٍ مستقلة، حتى تتم دراسة هذا الاتجاه وذاك، من أجل التأكد من المزايا لكلٍ منهما، ومدى الآثار الايجابية أو السلبية التي يمكن أن تؤثر على الأطفال الموهوبين والعاديين في وقتٍ واحد. كما أنه إذا لم يتم الاهتمام بتربية الموهوبين والمتميزين على شكل إيجاد برامج خاصة بهم تراعي قدراتهم وميولهم واهتماماتهم، فإن ذلك سينعكس سلباً على نسبةٍ ليست قليلة منهم، والذين قد ينسحبون من المدارس، أو يهملون في دروسهم، أو يقصرون في أداء واجباتٍ وأنشطةٍ عديدة يعتبرونها أقل بكثير من مستوياتهم أو من قدراتهم العقلية الفذة.
وقد يفقد هؤلاء الطلبة حماسهم نحو المدرسة ذاتها، لأن المعلمين فيها يطالبونهم بالتحصيل العادي، حيث يثير الملل والسأم في نفوسهم، مما يتطلب وجود برامج خاصة بهؤلاء الموهوبين حتى يشجعونهم على الاستمرار في التميز وتوظيف القدرات التي يمتلكونها، فيما يفيدهم ويفيد مجتمعهم المحلي، ويثير الدافعية العالية لديهم. ويرى المدافعون عن تربية الموهوبين والمتميزين بأن هذه الفئة من الطلبة وبما تمتلكه من إمكاناتٍ عاليةٍ من الناحية الذهنية، وما لديهم من دافعية قوية للتعلم، قد جهزت نفسها أصلا كي تقبل التحديات غير الموجودة في منهج الطلبة العاديين، مما يتطلب تخصيص منهجٍ متمايز يراعي تلك القدرات والحاجات، وإيجاد برامج خاصة تزود الموهوبين بأنشطةٍ كثيرةٍ تلبي طموحاتهم الواسعة وقدراتهم العالية.
ويشعر المناصرون لتربية الموهوبين بأن هذه الشريحة من الطلبة ما زالت مهملة من حيث تلبية حاجاتها الكثيرة، وذلك في ضوء التركيز على مبدأ المطالبة بوضع جميع الطلبة ومن مختلف القدرات والمستويات ودمجهم في صفٍ دراسيٍ واحد، ومع من يعاني من صعوبات التعلم، وذلك بجانب الموهوبين والمتميزين، وهو ما يؤدي إلى إضعاف روح النشاط والحيوية والإبداع عند فئة الموهوبين، مما يحتم ضرورة إيجاد صفوفٍ خاصةٍ بهم، حتى لا يتأثروا سلباً بما يطرح للفئات العادية والضعيفة من معلوماتٍ وأنشطةٍ وواجباتٍ تبقى أدنى بكثيرٍ من قدراتهم وطموحاتهم واهتماماتهم.
وتقوم الأنظمة التربوية الحديثة في عالم اليوم على المبادئ الديمقراطية، وأن المدارس تمثل في الواقع أذرعاً لهذه المبادئ، مما يتوجب عليها تطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين فئات الطلبة جميعاً والتي تختلف ليس في أصولها ومنابتها ومعتقداتها فحسب، بل وفي قدراتها العقلية ونسبة الذكاء بينها أيضاً. ولما كان الاهتمام الأول يتم بالدرجة الأساس على ذوي القدرات العقلية العادية، فإن العدالة الحقيقية تتمثل في أن تنال فئة الموهوبين الاهتمام ذاته، وذلك عن طريق تحقيق رغباتهم في وجود صفوفٍ أو مدارس خاصة بهم، توفر لهم العديد من أنشطة التحدي لقدراتهم العقلية والإبداعية عالية المستوى والتي غالباً ما يصعب توفيرها في المدارس العادية.
ويلتحق الموهوبون من الأطفال بالمدارس منذ اليوم الأول وهم يمتلكون أصلا العديد من المهارات الأساسية التي يحتاجها من هم في عمرهم من أقرانهم العاديين. لذا، يشعر هؤلاء الأطفال بأنهم معزولون منذ البداية، وأو يعتبرهم كثير من المعلمين بأنهم مختلفون عن بقية أقرانهم الآخرين، لأن المدارس العادية لديها مهمة أساسية تتمثل في توفير الفرص والخبرات والأنشطة التعلمية المتنوعة التي تساعد في اكتساب الأطفال العاديين لتلك المهارات التي اكتسبها الأطفال الموهوبون قبل دخولهم المدرسة، مما يجعل من فئة الموهوبين من الأطفال تنظر إلى ما يتم بأنه ضياعٌ للوقت في أمورٍ اكتسبوها من قبل. وهذا ما يطالب به المناصرون لتربية الموهوبين من ضرورة إنشاء برامج أو صفوف أو حتى مدارس خاصة لهم حتى لا يضيعوا الوقت الطويل في اجترار ما امتلكوه من قبل، وما قد يحدث من نتائج عكسية تتمثل في المشكلات النفسية والاجتماعية التي لا تؤثر على هؤلاء الأطفال وعائلاتهم فحسب، بل وتمتد إلى المجتمع الذي يعيشون فيه أيضاً.
ويرى المؤيدون للاهتمام بتربية الموهوبين والمتميزين أيضاً بأنه إذا ما تمّ تحقيق حاجات الطلبة الموهوبين عن طريق تصميم برامج خاصة بهم تتمشى مع هذه الحاجات والقدرات، فإنهم سوف يحققون في الغالب مستوياتٍ عليا من التحصيل الأكاديمي والأداء الرفيع، ويعزز بالتالي قوة التشجيع على التحدي لما هو أصعب وأفضل. فالطلبة الموهوبون عندما تتوفر لديهم البرامج الملائمة لقدراتهم، فإنهم يعملون على استغلال المعارف الهائلة التي يمتلكونها واستخدامها كخلفيةٍ معلوماتيةٍ لأنشطةٍ تعلميةٍ غير محدودة، ويوظفونها في حل المشكلات الصعبة التي يواجهونها أو يواجهها مجتمعهم في الحياة اليومية.
ويعتقد المناصرون لتربية الموهوبين والمتميزين كذلك، بأن المساهمات الفعالة والمهمة لخدمة المجتمع وتطوره ونمائه تأتي في الجزء الأكبر من جانب الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الفئة المتميزة من الناس. فالمجتمع يحتاج من الموهوبين أن يلعبوا أدواراً أكثر أهمية لخدمة المجتمع، وذلك عن طريق الاختراعات والإبداعات التي يتوصلوا إليها بسرعة أكبر من أقرانهم العاديين، ولاسيما في زمن التطورات المتسارعة في العلوم والفنون والاقتصاد والتكنولوجيا والمعلوماتية والتفوقات الثقافية والاقتصادية والعلمية والعسكرية. فتوفير البرامج الخاصة للموهوبين تفي بحاجاتهم وحاجات المجتمع وطموحاته في الوصول إلى أعلى درجات التقدم والرقي والازدهار، وبخاصة إذا ما تمّ توفير الفرص الكافية والمتنوعة التي يحتاجونها لتوظيف ما لديهم من قدرات وطاقات إبداعية وإنتاجيةٍ هائلة، مما يرفع من أهمية رعاية برامج تربية الموهوبين والمتميزين وتزداد الحاجة إليها.
المقالة الصحفية التاسعة والعشرون:
استراتيجية إدارة الوقت: أهميتها، وأولوياتها، وقواعدها
أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
رابط المقالة على شبكة الإنترنت:
http://alrai.com/article/10576856
لقد تطرق العلماء والباحثون إلى عددٍ من التعريفات المتنوعة لمصطلح ادارة الوقت Management Time، فقد عرفه سعادة على أنه عبارة عن تلك المهارة الفكرية التي تستخدم من أجل الحصول على أفضل استغلال للوقت المرتبط بواجباتٍ أو مهامٍ أو أعمالٍ محددة، وذلك لتحقيق أهدافٍ شخصية أو وظيفية متنوعة. أما جوسيلا Jussila فقد عرفه على أنه يمثل المهارة التي تساعد الفرد على إدارة وقته من أجل إنجاز مهامه والوصول الى أهدافه، بينما يستمر في ايجاد الوقت الكافي لنفسه كي يعيش بنشاط وحيوية.
وطرح بايشل Pychylتعريفاً لمفهوم إدارة الوقت على أنه تلك القدرة على تخطيط وتنظيم كيفية صرف الساعات خلال اليوم الواحد، وذلك من أجل الوصول إلى الفاعلية الأعلى لتحقيق الأهداف المرسومة، وأن التخطيط السيء لإدارة الوقت ربما يرتبط كثيراً بعملية المماطلة أو التأجيل من جانب الفرد، جنباً إلى جنب مع المشكلات المرتبطة بمسألة الانضباط الذاتي لذلك الفرد، وأن المهارات المرتبطة بإدارة وقت الفرد تشمل التخطيط للمستقبل، ووضع الأهداف المنشودة، والأولويات الضرورية، وتنظيم كيفية استثمار الوقت الحقيقي طيلة اليوم.
ونظراً لأهمية هذه الاستراتيجية واتساع مجالها، فلا بد من توضيح العديد من جوانبها المتنوعة، حيث يقتصر هذا المقال على بيان أهميتها، وعلاقتها بمهارة ترتيب الأولويات، وتحديد قواعد الإدارة الناجحة والمرغوب بها للوقت. فمن حيث أهمية إدارة الوقت للفرد، نجد أنها تعمل على زيادة قدراته على التعلم بشكلٍ أفضل، ما دامت عملية تنظيم الوقت تسمح له بامتلاك الحرية للتعامل مع الأشياء التي يريد التفاعل معها، وتفيد في أيضاً في تنفيذ كلٍ من الواجبات أو الأعمال الضرورية في الزمن المحدد لها، وتساعد في تحديد الأولويات وإنجاز المهمات في الأوقات المخطط لها، والاستفادة من الوقت الضائع والعمل على استغلاله بشكلٍ أكثر فاعلية، ودعم الفرد للتغلب على المشكلات الناجمة عن الإجهاد في العمل أو الاحباط من الظروف المحيطة به، وتؤدي إلى تقليص الزمن المطلوب لعمليات الانتاج وإنجاز المهمات، مع التخفيف من ضغوط العمل أو الدراسة، وإيجاد الوقت للراحة وممارسة الأنشطة والهوايات المختلفة، وتدريب الأفراد على مبدأ التنظيم الذاتي للوقت، وحساب المهدور منه على مدى اليوم أو الأسبوع أو الشهر، بالإضافة إلى كون الوقت يمثل مورداً غير قابلٍ للتخزين، مما يجعل تنظيمهُ ضرورياً للغاية، وكون الوقت يمثل مورداً شديد الندرة، مما يحتم على الفرد الاهتمام به والعمل على تنظيمهِ، وكون الوقت غير قابل للتعويض أو الاستبدال، مما يحتم تنظيم عملية استغلاله بشكل سليمٍ وأكثر فاعليةٍ.
أما عن ترتيب الأولويات وعلاقتها باستراتيجية إدارة الوقت ذاتها، فإنها تتم في العادة عن طريق وضع الأشياء أو الأمور أو المهام أو الواجبات أو الأعمال المرغوب القيام بها في ترتيبٍ زمنيٍ معين، حسب أهميتها أو حسب الوقت الضروري لإنجازها. والأولوية Priority كلمة تشير الى شيءٍ ما أو مهمةٍ معينةٍ أو عملٍ محددٍ يتطلب من الفرد اهتماماً قبل غيره من الأمور، بحيث يتم الانتقال فيه من مجال التمنيات والآمال الى ميدان الأفعال الواقعية، مشفوعاً بالقرار المناسب للقيام به، والوقت الأمثل الذي يتم تخصيصه لعملية التنفيذ. ولترتيب الأولويات كذلك أهمية تربوية وحياتية، تتمثل في أنها تسمح للفرد باتخاذ القرارات التي تتطلب تنظيماً أو ترتيباً معيناً، يأخذ في الحسبان الأمور المختلفة، والمعلومات المتوفرة، والأنشطة المتنوعة، كما أنها في الوقت نفسه تزود الأفراد بالخيارات المهمة، التي يتم في ضوئها اتخاذ القرارات المناسبة للقضايا أو الأمور المختلفة.
وحتى تكون إدارة الوقت ناجحة بالمستوى المطلوب، فإنه لا بد من مراعاة عدد من القواعد المهمة التي تتمثل أولاً في ضرورة مراجعة الأهداف والخطط والأولويات. فالأهداف هي التي تحدد المسار المناسب لاستغلال الوقت بفاعلية كبيرة، ولكن قد تحول الظروف أو الإمكانيات دون تحقيق بعضها، مما يستوجب من الراغب في إدارة الوقت بنجاح أن يراجع هذه الأهداف ويحدد ما لم يتم تحقيقه لوضعه في الحسبان للتنفيذ ضمن الوقت المتاح. أما عن مراجعة الخطط، فهي عملية أساسية أيضاً، لأنه قد تطرأ لدى الفرد فكرة أو مجموعة من الأفكار الجديدة يمكن إضافتها، أو قد تبدو بعض الأفكار الموجودة في الخطة الأصلية بحاجةٍ إلى تعديلٍ، أو حذفٍ أو إضافةٍ، في ضوء معطياتٍ أو ظروفٍ جديدةٍ أو طارئة. وتبقى مراجعة الأولويات أمراً حيوياً، إذ ينبغي القيام بإنجاز أكثر الاشياء أو الأعمال أهمية أولاً، وبخاصةٍ إذا تبين أن تأخيرها يؤدي الى خسارةٍ ماديةٍ أو معنويةٍ أكثر من غيرها، أو أن مردود إنجازها مبكراً يكون أكثر من مردود إنجاز غيرها من الأمور أو الأعمال، مع ضرورة الاحتفاظ ببرنامج عملٍ معينٍ أو خطةٍ زمنيةٍ محددةٍ من أجل تجنب العشوائية والارتجالية في العمل، ومن أجل استثمارٍ فعّالٍ للوقت المتاح، فإنه لا بد من وجود برنامج عملٍ محدد الخطوات، على أن يُرفق به خطة زمنية دقيقة بتواريخ بداية ونهاية، وذلك لإنجاز كل مهمةٍ من المهمات المطلوبة في برنامج العمل، سواء تلك التي تتطلب وقتاً قصيراً للإنجاز، أو غيرها مما يحتاج الى وقتٍ أطول وربما في توقيت متأخر نسبياً عن غيرها، لأنها تتصف بالمهمات طويلة المدى.
ومن القواعد المهمة الأخرى ضرورة وضع قائمة إنجاز يومية، تتضمن جميع الأفكار التي ترد إلى الذهن، مما يتطلب تدوين ذلك في دفتر المذكرات أولاً بأول ، حتى لا تتعرض للنسيان، بحيث تكون هذه القائمة جزءاً من الحياة اليومية. كما أن عدم وضع مثل هذه القائمة اليومية سوف يأتي الغد بمهامه وأعماله الأخرى، مما يؤدي الى تراكم هذا وذاك، وتتزاحم الأمور، مما يزيد من الإرباك والغموض والتوقف أحياناً عن الانجاز أو الانتاج. كل ذلك يحدث نتيجةً لتأخير عمل اليوم الى الغد، وتأجيل عمل الغد الى ما بعده، ويزداد التسويف والمماطلة في إنجاز المهام اليومية، وتزداد بالتالي المشكلات حدةً وصعوبة وتعقيداً. وهنا تظهر قاعدةً أخرى تتمثل في ضرورة استثمار الوقت الضائع، حيث يمر الفرد في العادة بالكثير من الأوقات الضائعة أو الهامشية التي لو عمل على استغلالها لزادت الانتاجية لديه.
فعندما يذهب الى الطبيب منتظراً دوره يجد وقتاً يمكن استغلاله في قراءة بعض الموضوعات أو إنجاز وترتيب بعض الأوراق. وعند انتظار صعود الطائرة أو انتظار وجبة الغداء أو العشاء، أو الوقوف في الطابور لإنجاز معاملة من المعاملات الرسمية، فإن استغلال هذا الوقت فيما يفيد وينفع، يجعل الوقت ثميناً لكتابة بعض الأفكار أو إجراء اتصالات هاتفية مهمة، أو إجراء عمليات حسابية على الهاتف المحمول لأمورٍ مالية، أو قراءة مقالةٍ أو قصةٍ قصيرة من شبكة الانترنت على الجهاز الحاسوبي الصغير، أو قراءة بعض صفحاتٍ من صحيفةٍ أو مجلةٍ، أو إجراء حوارٍ هادفٍ مع من يجلس بالقرب منك، أو ترتيب بعض الأمور لمهمةٍ من المهمات الكبيرة، مما يؤدي إلى سرعة إنجازها في اليوم أو الأيام التالية، مما يرفع بالتالي من نسبة استغلال الوقت الضائع، كما يعود في الوقت ذاته بالفائدة على من يحسن إدارة الوقت الضائع.
وتُعَدُ ضرورة التصرف بذكاء مع الحالات الطارئة، قاعدة من القواعد المهمة لإدارة الوقت، إذ أن الفرد يعيش في العادة ضمن جماعة، مما يؤدي إلى تداخل الظروف والمصالح مع الآخرين، بحيث تؤثر أحياناً بصورة سلبية على قائمة الانجازات المطلوب تحقيقها ضمن أوقاتٍ محددة. فمثلاً، ربما تتعطل السيارة التي تنقلك، ويضيع عليك الوقت الطويل نسبياً، والذي كان بالإمكان إنجاز مهمةٍ ما من خلاله، أو قد يزورك شخص أو مجموعة من الأشخاص دون موعدٍ مسبق، أو قد يقرع صوت الهاتف الخلوي كي يبلغك بوفاة عزيزٍ أو تعرضه لحادث سيرٍ، مما استدعى نقله الى المستشفى. وقد تنسى في البيت الوثائق الخاصة بمناقشة قضية من القضايا وأن رجوعك سيأخذ وقتاً إضافياً يكون على حساب إنجاز أمور معينة مخططٍ لها في الأصل. وهنا يكون لعنصر المفاجأة الوقع الأكبر في كل الحالات السابق ذكرها، وقد يرفع ذلك من نسبة التوتر النفسي، مما يتطلب من الفرد التصرف بحنكةٍ وذكاءٍ وهدوءٍ ومرونةٍ، تشجع على إعادة ترتيب الأولويات في ضوء الظروف الجديدة، مع الاستعداد لمضاعفة الجهد لتعويض ما ضاع من وقتٍ، أو تأجيل بعض الأمور الأقل أهمية والبدء بالأمور الأكثر أهمية.
أما عن آخر هذه القواعد المهمة فتتلخص في ضرورة عدم الاستسلام للأُمور أو الحوادث العاجلة غير الضرورية. فالإنسان في العادة يعيش ضمن جماعة، يتعرض أفرادها للكثير من الأحداث أو المناسبات أو الظروف السارة وغير السارة. وهنا ينبغي أن لا تترك وقتك في يد الآخرين وما يمرون به من ظروف ولا سيما العاجلة منها. فمن صديقٍ قد تعرض لحادث سيارة، وآخر لديه حفل زفاف، وثالث توفي والده، ورابع يريد زيارتك، وخامس يطلب منك خدمة. وهنا ينبغي عدم الاستسلام لرغبات أو احتياجات أو ظروف الآخرين، بل لا بد من وضعها ضمن الأمور التي تحتاج إلى تصنيفٍ ضمن لائحة ترتيب الأولويات، وعدم الضعف أمام ما يدور حوله من ظروفٍ وأحداث، بل يضع في الحسبان الأهداف التي تم تحديدها من قبل، والأولويات التي لا بد من القيام بها، والفاعلية العالية في أداء المهام المطلوبة.
المقالة الصحفية الثلاثون:
تدريس الوقت ومصفوفته والنصائح العشر لاستثماره
أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
رابط المقالة على شبكة الإنترنت:
http://alrai.com/article/10581966
تتلخص أهم إجراءات تدريس استراتيجية إدارة الوقت في تنمية الوعي لدى الطلبة عن أهمية إستثمار الوقت، وذلك عن طريق تسجيل هؤلاء الطلبة لأنشطتهم خلال أوقات اليوم المختلفة، ووضعهم لنجمةٍ هندسيةٍ مقابل كل نشاطٍ أو عملٍ لهم مقروناً بالوقت المحدد له، ووضعهم أيضاً لعلامةٍ مميزة أُخرى كالدائرة أو المثلث أو المربع، وذلك للأعمال أو الأنشطة الطارئة التي تتمشى أو تتعارض مع الأنشطة التي تمّ تحديدها من قبل، وسؤال المعلم لطلابه عن كيفية تأثير الجدول الزمني الذي أعدهُ سابقاً في الخيارات المطروحة لديهم من أجل إنجاز الأعمال ضمن الأوقات المحددة أم لا، وسؤال المعلم لطلابه أيضاً عما هم فاعلين في الأوقات التي تمّ تحديدها لإنجاز عملٍ أو نشاطٍ أو مهمةٍ ولم يتم تنفيذ أي منها، وسؤال المعلم لطلابه كذلك عن الأمور أو الأشياء التي حالت أو تحول دون إنجاز المسؤوليات أو الأعمال أو الأنشطة المهمة في الأوقات المحددة لها حسب الجدول المعد مسبقاً، وذلك من أجل تحديد مهامٍ أخرى تساعد في إنجاز هذه المسؤوليات أو تحقيقها، وسؤال المعلم لطلابه أخيراً عن الأشياء الضرورية التي يرغبون في أدائها أو إنجازها ضمن وقتٍ أو أوقاتٍ محددةٍ ولم يستطيعوا تحقيق ذلك.
ومن الإجراءات التدريسية الأخرى أنه ينبغي على الطلبة تسجيل جميع الأنشطة أو المهام أو الأعمال الواجب عمل جدولٍ زمنيٍ لها والأخرى الواجب إنجازها، وتحديد أفضل الأوقات المناسبة لإنجازها، وذلك عن طريق استخدام قائمة تدقيقٍ خاصة، واستخدام نتائج قائمة التدقيق من أجل تحديد أكثر الأوقات فعالية للاستخدام خلال اليوم الدراسي، وتحديد الأولويات في القائمة التي تم تطويرها من قبل، وذلك عن طريق وضع الأمور الواجب إنجازها أولاً، ثم الأمور التي نرغب في إنجازها ثانياً، وعمل ثلاثة جداول بالأولويات، يركز الأول منها على قائمة الأعمال اليومية المطلوب إنجازها مع تحديد وقت كل عملٍ منها، ويدور الثاني حول أجندة أعمال اليوم المدرسي، في حين يهتم الثالث بجدولٍ إسبوعي للأعمال المطلوب إنجازها، مع الأوقات أو الأيام الواجب انجازها فيها، وأخيراً العمل على تقييم الأُمور أسبوعياً، والاستفادة من تلك التجربة في وضع جداول زمنية جديدة للأيام أو الأسابيع المقبلة.
وتتم عملية ربط مهارة إدارة الوقت بكلٍ من المنهج المدرسي والمنهج الجامعي عن طريق التفكير بإنسانٍ خيالي، ووضع جدولٍ زمني بالأوقات المناسبة له لإنجاز أعماله وأنشطته، وتشجيع الطلبة على عمل خطةٍ يوميةٍ للتسوق، تشتمل على الأوقات المطلوبة لقراءة الإعلانات التجارية، مع ربط ذلك بأوقاتٍ محددةٍ خلال يومٍ واحد، وتحفيز الطلبة على عمل جدولٍ زمني يتم فيه توزيع الأنشطة والأعباء المدرسية والعائلية والاجتماعية والشخصية، والطلب من التلاميذ تطوير بعض الاستراتيجيات لتقليل أثر الناس الذين يحاولون إضاعة الوقت في تحقيق الأولويات من المهام أو الأنشطة، سواء الضرورية منها أو غير المرغوب فيها.
أما عن مصفوفة إدارة الوقت، والتي ينبغي أن يحرص عليها كل فرد منا في حياته اليومية أثناء تفاعله داخل المجتمع المحلي الذي يعيش فيه، فيمكن توضيحها كالآتي:
أولاً: أمور عاجلة ومهمة: وتتلخص في المناسبات الاجتماعية، والاستعداد للسفر، والأحداث أو الأُمور الطارئة، والاختبارات المتنوعة.
ثانياً: أمور عاجلة وغير مهمة: وتتمثل في اللقاءات العادية وطلبات العائلة، والمقاطعات التي تحدث خلال الاجتماعات مثل المكالمات الهاتفية، وزيارات الاخرين الطارئة.
ثالثاً: أمور غير عاجلة ومهمة: وتتمثل في القيم المهمة التي تلعب دوراً في حياتنا أولاً بأول، وكذلك الدراسة أو المذاكرة اليومية، وبناء العلاقات الوثيقة مع الآخرين.
رابعاً: أمور غير عاجلة وغير مهمة: وتتمثل في مضيعات الوقت المختلفة وما أكثرها وأهمها المشاهدة المفرطة للتلفاز، والاستعمال الزائد عن اللزوم للهاتف الجوال، والاستخدام شبه المتواصل للحاسوب الشخصي ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
أما عن النصائح العشر للاستثمار الأمثل للوقت فتتلخص في الآتي:
- الاحساس بقيمة كل دقيقة تمر على الفرد: وهذا يتطلب ضرورة أن يكون حساب الوقت من جانب الفرد بالدقائق بالدرجة الأساس، وليس بالساعات أو الأيام أو الشهور أو السنوات، التي تعني في طياتها هدر الوقت الطويل، واستثمار الوقت بقيمةٍ أقل بكثير من قيمتهِ الحقيقية، لأنه في إنجاز المسؤوليات والأعمال المهمة أو الخطيرة، فإن لكل دقيقةٍ حسابها الثمين Minute Counts Every، وكلما تعرف الفرد على وقته المتاح بدقائقه الكثيرة أو القليلة، استطاع استثمار ظروفه وإمكانياته بفاعلية كبيرة.
- العمل على النظر الى الوقت كقيمة: فإذا أصبح لدى الفرد اتجاه إيجابي نحو الوقت باعتباره قيمة كبيرة في حد ذاته، فسوف يحرص على استثماره الاستثمار الأمثل، لأن ضياعه بالنسبة للفرد يصبح خسارة جسيمة في ضوء النظر إليه كقيمةٍ فعليةٍ في الحياة اليومية.
- وضع أهدافٍ محددةٍ من وراء استثمار الوقت بشكلٍ يتم فيها تحقيق العديد من الرغبات: فإذا قام الفرد بتحديد وقتٍ معينٍ لأداء مهمةٍ ما أو نشاطٍ بعينه، فإن عليه أن يعمل على صياغة أهدافٍ دقيقةٍ يسعى لتحقيقها من وراء ذلك، على أن يحقق من ورائها طموحاته أو رغباته، لأن فيها نوعاً من التعزيز الكبير الذي يدفع لإنهاء تلك المهمة أو ذلك النشاط، بالوسائل والإمكانيات التي تساعده على ذلك. وفي الوقت نفسه، على الفرد أن يكون صادقاً مع نفسه إذا لم تكن لديه القدرة على تحقيق بعض الأهداف، مما يدفعه إلى تحقيق ما هو قادرٌ على تحقيقه من تلك الأهداف، مع ترك الوقت الباقي لتحقيق الأهداف الصعبة بعد استشارة الآخرين أو التعامل معهم.
- ضرورة جعل الأهداف شهرية أولاً: فعندما يصنع الفرد لنفسه أهدافاً شهريةً منتظمة، فإنه يؤمن في الواقع بالتخطيط للمستقبل، والسعي لتوفير الظروف والإمكانيات اللازمة لتحقيقها ضمن فترةٍ زمنية معقولة، دون التعرض لضغوطٍ نفسيةٍ وجسديةٍ كبيرة، كما هو الحال في الأهداف اليومية. كما أن الأهداف التي تكون مدتها أكثر من شهر، فإنها تصبح غامضةً وتتعرض للتغيير في ضوء الظروف المتقلبة من وقتٍ لأخر.
- الاحتفاظ بدفتر ورقي أو الكتروني لتسجيل المواعيد: فبعد أن أصبحت ظروف الحياة معقدة، وبعد أن كثرتْ العوامل التي تجعل من وقت الإنسان اليومي لا يكفي لإنجاز ما هو مطلوب منه، وبعد أن تعددت المواعيد الخاصة والعامة، فقد أصبح وجود وسيلةٍ لتنظيم هذا كله ضرورياً. وكم كان وجود دفتر صغير لتثبيت المواعيد الإسبوعية والشهرية أولاً بأول ضرورياً وفعالاً. وبعد أن غزت الأدوات والأجهزة الالكترونية والهواتف الذكية والحواسيب الشخصية الصغيرة، فقد أصبح من الضروري كتابة جميع المواعيد ضمن هذه الادوات، مقرونة بنغماتٍ صوتية أو موسيقيةٍ تعمل على تذكير صاحبها إلى ضرورة إنجازها في مواعيدها المحددة من قبل.
- جعل التقييم للنتائج التي يتم التوصل إليها شهرياً: وهنا، فإن على الفرد أن يحدد من خلال متابعته لإنجاز المهام الموكل بها، أن يعرف تماماً فيما اذا كان قد وصل إلى أهدافه أم لا . وكلما كان هذا التقويم شهرياً للنتائج العامة كان أسهل له لتحديد الثغرات، وإصلاح العيوب، وتحقيق معظم إن لم يكن جميع الأهداف التي وصفها مسبقاً. كما تظهر من عملية تقييم النتائج شهرياً مدى التقدم الذي حصل، حتى لو لم يتم تحقيق بعض الأهداف منها، لأن مجموع ما يحقق خلال الشهر يكون مدعاة للطمأنينة والثقة بالنفس، بأن ذلك الشهر قد تم فيه قطع مشوارٍ كبيرٍ، وإذا ظهرت بعض العقبات، فإنه يمكن تفاديها خلال الشهر الذي يليه.
- ربط الأنشطة مباشرة بالأهداف: وهنا، فإن على الفرد تجنب الأعمال اليومية المليئة بالمتطلبات الروتينية، وربط الأنشطة أو المهام التي يود القيام بها بالأهداف التي صاغها من قبل، ولا سيما تلك التي توضع ضمن الأولويات في التنفيذ، مع العلم دائماً بأن ربط الأنشطة بالأهداف يؤدي إلى إنجازها بسرعةٍ وبشكلٍ أكثر دقة.
- إعتبار تقييم الوقت على أنه جزء من الأنشطة: فإذا ترسخ للفرد عادة تقييم الفرد كجزء من النشاط، تصبح العلاقة وثيقة بين قيمة الوقت وبين تحقيق ذلك النشاط، مما يدفع الى ابتكار وسائل جديدةٍ للاستثمار الأمثل للوقت من أجل تحقيق النشاط المنشود.
- الاقتصاد في النظر الى الساعة: إذ لا بد من التحرر من سيطرة الساعة اليدوية أو ساعة الحائط أو ساعة الهاتف الخلوي أو ساعة الحاسوب الشخصي، وذلك حتى لا يكون الفرد أسيراً للضغوط النفسية الناجمة عن اختصار الوقت. فحرية الفكر قد تحتاج الى هدوءٍ خالٍ من الضغوط حتى يبدع الإنسان بشكلٍ أفضل، كما أنه إذا كان الاجتماع بحاجةٍ إلى ساعةٍ وانتهت مناقشته في نصف ساعة، فلا داعي لتطويل تلك المناقشات من دون أي مبرر مقبول.
- ضرورة أن يدرك الفرد أنه لا يملك من الوقت إلا الحاضر منه: فعلى الفرد أن يتأكد بأن الماضي قد أصبح خارج ممتلكاته ولا سيطرة له عليه، ولا يستطيع أن يفعل فيه شيئاً ملموساً، وليس من ذلك الماضي غير الدروس والعِبَر المستفادة بالدرجة الأساس، وأن الحاضر هو الذي يستطيع استثماره بفعالية كبيرة من أجل مستقبلٍ أفضل إذا أُحسِنَ التخطيط الدقيق لهذا الحاضر.
المقالة الصحفية الحادية والثلاثون:
التعامل بذكاء مع مضيعات الوقت
أ.د. جودت أحمد المساعيد
خبير المناهج وطرق التدريس
رابط المقالة على شبكة الإنترنت:
http://alrai.com/article/10579005
يمكن تعريف مضيعات الوقت على أنها تلك العوامل التي تقف حائلاً دون إنجاز الأعمال المهمة وذات القيمة العالية التي يسعى الفرد إليها، ويمكن تعريفها أيضاً على أنها تلك الأعمال أو المهام التي تستغرق وقتاً طويلاً لا يتناسب مع القيمة الناتجة عنها، أو أنها الأعمال التي تشغل الفرد كثيراً، بينما المردود الفعلي من ورائها يبقى محدوداً من أجل تحقيق الاهداف المنشودة التي يسعى إليها الفرد بنفسه.
ويعتبر التعامل بذكاء مع مضيعات الوقت أهم استراتيجية من الاستراتيجيات الفاعلة لإدارة الوقت الثمين، ويتمثل تطبيقها في تجنب مضيعات الوقت الكثيرة جداً كالمحادثات الهاتفية المخطط لها أو غير المخطط لها، ولا سيما إذ طال أمدها وتعددت حالاتها وأوقاتها، والزيارات المفاجئة من الأصدقاء أو الغرباء، دون ترتيبٍ مسبقٍ، مما يستهلك من الوقت الذي كان مخصصاً لتحقيق أهدافٍ معينةٍ، ومحاولة إنجاز الفرد لأعمالٍ أو مهامٍ كثيرةٍ في وقتٍ واحد، مع سوء التقدير من جانبه لتحقيق كل مهمة في وقت أقل مما تتطلب، مما يؤدي الى ضياع وقت طويل في إنجاز مهمةٍ أو اثنتين فقط، وبقاء المهام الأخرى دون إتمام، وغياب الأهداف والأولويات المحددة مسبقاً واستبدالها بأوقاتٍ غير دقيقة وغير قابلة للتحقيق، والاجتماعات الرسمية أو غير الرسمية أو العاجلة، وما يدور خلالها من نقاشات مفتوحة تأخذ وقتاً أطول من المرغوب فيه، مما يؤثر سلباً على إنجاز مهامٍ أخرى لا تقل عنها أهميةً، إضافةً إلى غداء أو عشاء العمل، وما يرافقهما من حوارٍ أو مناقشاتٍ متنوعة بين الجالسين حول المائدة، قد تتناول موضوعات لها علاقة بالعمل وموضوعات أُخرى خارجة عنها، مما يسهم في ضياع الوقت اللازم لإنجاز مهامٍ أخرى قد يكون بعضها عاجلة، والتردد في إتمام الأعمال أو المهام والمماطلة أو التسويف في إنجازها، مما لا يؤدي فقط الى تأخير تسليمها، بل وتراكم الجديد على القديم منها، وغياب المعايير وتقارير الأداء والمساءلة، مما يؤدي الى التلكؤ في أداء الأعمال في الوقت المحدد لها، نظراً لأن الفرد لن يحاسب غالباً على ذلك، ما دام النظام في المؤسسة لا يؤكد على التقارير الدورية للأداء، وطبيعة الذهاب الى العمل والعودة منه، ولا سيما إذا وصل الفرد الى العمل متأخراً في الصباح، واذا خرج منه مبكراَ قبيل الانتهاء منه، مما يؤدي الى ضياع وقتٍ كان من المفروض استغلاله في انجاز المزيد من المهام أو التخطيط لمهامٍ جديدة، والمطالب العائلية الكثيرة، وما تفرضه على الشخص الإداري أو حتى العادي من القيام ببعضها على حساب وقت المؤسسة، مثل المرض المفاجئ للزوجة أو الاطفال، مما يستدعي ترك العمل جزئياً. وقد تجبر هذه المطالب الفرد الى حضور مناسبات أفراح أو أتراحٍ مفاجئة لأناسٍ تربطه بهم علاقة وثيقة كالصداقة او القرابة أو المسؤولية في العمل، وعدم كفاية المعلومات الواردة من الآخرين، أو عدم دقتها، أو التأخر في وصولها، مما يؤدي الى توقف إنجاز العمل أو المهمة، وضياع الوقت الثمين نتيجة ذلك، بل وربما يعمل هذا على فقدان الحماسة لإتمام تلك المهمة وصرف النظر عنها والتفكير بغيرها، مما يزيد من ضياع الوقت، وتعيين أشخاصٍ غير أكفياء في مناصب إدارية تتطلب استثمار الوقت بدقة عالية. فمثل هؤلاء الاشخاص الذين لا يملكون المهارات الادارية الكافية، ويميلون الى الدفاع عن أنفسهم بالمبالغة في الكلام والتهرب من إنجاز الأعمال في زمنها المحدد، إنما هم يساهمون بدرجةٍ كبيرةٍ في ضياع الوقت الثمين.
ومن المضيعات الأخرى للوقت، الفشل في وضع حدودٍ واضحةٍ للسلطة والمسؤولية. فكثير من الاداريين يميلون الى التمتع بالسلطة دون الاكتراث بالمسؤولية المترتبة عليهم من حيث القيام بالمهام والأعمال المطلوب إتمامها في أوقاتٍ معينة، مما يؤدي الى ضياع أوقاتٍ ثمينةٍ في القيام بالأعمال الروتينية، والتركيز على المظاهر السلطوية التي تتفشى في غياب المساءلة، وكذلك البريد والأعمال الورقية الزائدة التي يلجأ إليها بعض الإداريين لإظهار أنهم يعملون كثيراً، في الوقت الذي يتبين فيه أن الإنجاز الواقعي في المؤسسة هو في تراجع، والأزمات الكبرى التي يصعب التخطيط المسبق لها على مستوى الوحدة الإدارية التي يترأسها الشخص، مما يجعله عاجزاً عن التصدي لها، وذلك لأنها تتطلب أحياناً تعاوناً من الإدارة العليا بسبب وقوعها خارج صلاحيات الوحدة الإدارية الصغرى، مما يؤدي الى محاولة تأجيل التصدي لعدم القدرة على ذلك، وضياع الوقت بشكلٍ مُلفتٍ للنظر، والاهتمام الزائد بالعلاقات العامة، والمظاهر الزائفة، على حساب الإنجاز الحقيقي للأُمور والأشياء. كل ذلك بسبب التركيز على الدعاية والإعلان واستقدام الشخصيات المرموقة بقصد إظهار أهمية الوحدة أو المؤسسة، وتعطيل العمل جزئياً أو كلياً في سبيل كل ذلك، والاهتمام بالمجاملات وعدم القدرة على قول (لا) للمسؤولين الكبار، فقد يلجأ المديرون الصغار الى ضياع الوقت في زيارة رؤسائهم مرات عديدة، ومحاولة إطرائهم إذا سمعوا منهم توجيهات أو إرشادات قد تبطئ العمل وتقتل الوقت، بحيث لا يملكون الصراحة في قول كلمة (لا) لهم، إما للخوف على الرزق أو الحياة، وإما خشية عدم الترقي من وظيفةٍ الى أخرى، مما يسهم في ضياع أوقاتٍ على أمور ترضي المسؤولين ولكنها تكون في الغالب على حساب العمل، والإنشغال الزائد في الأُمور والإجراءات التفصيلية والروتينية القاتلة، والتي كان من الممكن تفويض آخرين من المرؤوسين للقيام بها اختصاراً للوقت، واستغلاله في أمورٍ أكثر صعوبة وأهمية، وترك عددٍ من المهام قبل إنجازها، والدخول في مهام جديدة، بحجة تأجيلها لبضعة أيام، مما يتطلب فيما بعد بذل وقتٍ جديدٍ لقراءتها للالمام بها ثانية، وتداخل المهام في بعضها، فقد يقوم مسؤول الوحدة الصغيرة بإنجاز مهمةٍ ما أو تقريرٍ معين بذل فيه الوقت الطويل، وقبل رفعه رسمياً بقليل، قد يتصل المسؤول الأعلى متحدثاً عن ذلك الموضوع وإعطاء تعليماتٍ جديدةٍ عن تلك المهمة، مما يؤدي إلى إهمال التقرير الأول وكتابة تقريرٍ جديدٍ، وتضخم عدد العاملين في المؤسسة أو الوحدة الإدارية، مما يؤدي الى توزيع المهام على الكثيرين، والتي لا تحتاج لأكثر من شخصٍ أو اثنين للقيام بها على الوجه الأكمل، مما يؤدي الى الترهل الإداري. وتوجد مضيعات أخرى للوقت مثل قراءة الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة الاهتمام بها على حساب الأعمال الرسمية، والقيام بالأعمال ذاتها أكثر من مرة، في ضوء تغيير الإدارات العليا، أو في ضوء فهمٍ خاطئٍ بأن مستجداتٍ قد حدثت عليها رغم قصر الوقت الذي مرّ على إنجازها، ووجود موظفين يثيرون المشكلات والمتاعب، مما يجعل الوقت ينصرف في حلها على حساب العمل الرسمي، وقلة الحوافز المادية أو المعنوية، مما يدفع الأشخاص الى التفنن في ضياع الوقت، وذلك نظراً للروح المعنوية المنخفضة لديهم، وحدوث حالات السفر أو الغياب أو الاستقالة، وهذه يزداد تأثيرها السلبي على الوحدة الإدارية أو المؤسسة، وطلب الحصول أحياناً على جميع المعلومات المتصلة بقضيةٍ ما أو مشكلةٍ محددة، مما يتطلب قراءة هذه المعلومات كافةً، وضياع الوقت الطويل في تحليلها، كما أن تغيير الأنظمة أو اللوائح أو التعليمات للمؤسسة يتطلب الوقت الطويل لفهم الجديد منها والتأقلم معها، والنظام السيء للملفات، والذي يؤدي الى ضياع كثيرٍ من الوقت في البحث عن تقريرٍ ما أو خطاب ٍ رسميٍ محدد، ووجود المشتتات الذهنية الكثيرة وعلى رأسها الضجيج، بسبب القرب من الشوارع أو الآلات الضخمة، مما يؤثر في إنجاز المهام، ويجعل من الوقت المطلوب لإتمامها أكثر من الأوضاع الهادئة.
كما توجد مضيعات أخرى للوقت مثل عدم وجود مواعيد نهائية لإنجاز الأعمال، مما يشجع على التأجيل، والبدء بتنفيذ أي مهمةٍ من المهام قبل التفكير جيداً بها، وقبل بذل أدنى جهدٍ للتخطيط السليم والمسبق من أجلها، ، والتغاضي عن الأداء السيء أو الضعيف للمرؤوسين، نتيجة غياب الرقابة والمحاسبة، مما يجعل معظم الأعمال التي قاموا بها فعلاً غير ذي جدوى، والتسرع في اتخاذ القرارات، مما ينعكس سلباً على العمل وانقاذ الموقف من جديد، عن طريق عقد اجتماعاتٍ متعددةٍ لتصويب الأوضاع على حساب وقت المؤسسة، وإنعدام الانضباط الداخلي بين المرؤوسين في أي مؤسسة، مما قد يسهم ليس في حدوث الفوضى الإدارية فحسب، بل وكذلك في عدم الاكتراث باستثمار الوقت في إنجاز المهام بدقةٍ متناهية، علاوةً على تشكيل اللجان الكثيرة للمهام البسيطة وغير البسيطة، والاعتماد الكلي تقريباً على قراراتها دون مراجعةٍ أو دراسةٍ أو تدقيق، وعدم تحلي الكثير من الأفراد، بالإصغاء الايجابي للآخرين أثناء النقاش أو الحوار النشط حول قضيةٍ من القضايا، ذلك الاصغاء الذي يتطلب التحليل لكل ما يُقال من آراءٍ أو أفكارٍ أو وجهات نظر، مما يجعل هؤلاء الأفراد غير المتابعين بدقة يطرحون أسئلةً أو قضايا تم التطرق إليها أثناء المناقشة، مما يؤدي الى ضياع الوقت فيما لا طائل من ورائه، وضعف روح الفريق بين الموظفين، ولا سيما إذا كانت بينهم خلافاتٍ أو تضارباتٍ في المصالح الشخصية، مما يكثر من عمليات التعطيل للإنجاز كعدم حضور اجتماعات اللجان، أو طرح آراءٍ وأفكارٍ متعارضةٍ لحاجةٍ في نفس يعقوب، أو للرغبة في عدم إنجاز العمل ككل، بحجة أنه سيصب في عمل شخص أو اثنين. كل ذلك يؤدي الى ضياع الوقت فيما لا يعود بالنفع على المؤسسة، وحدوث فجواتٍ زمنيةٍ بين إصدار الأوامر أو المهام وبين إبلاغها ووصولها الى المنفذين من جهة، وبين تلقي تقارير المتابعة المختلفة عنها من جهةٍ ثانية، مما يؤدي الى اتساع مدى هذه الفجوات، وعدم علم الشخص بما يجري حوله من أحداثٍ أو أنشطةٍ ذات صلة بالمهام التي يقوم بها، مما يجعله ينجز الكثير من هذه المهام بطريقةٍ غير دقيقة، ويؤدي بالتالي إلى إعادة التقارير التي أنجزها من الإدارة العامة للمؤسسة، لعدم مطابقتها للمستجدات التي لم يتابعها المدير، ويكون ذلك على حساب الوقت الثمين للإنجاز المرغوب فيه أولاً بأول.
أعزائي القُراء الكرام: مقابلة إذاعية مباشرة معي كانت بتاريخ 2021/3/4 حول موضوع: (التعامل بذكاء مع مضيعات الوقت) ، أدعوكم للإصغاء إليها جيداً من أجل فائدة الجميع، وذلك على الرابط الآتي:
https://www.facebook.com/watch/?v=1360184697683354